العين الإخبارية

تمضي السلطات النمساوية قدما في مواجهة التنظيمات الإسلامية المتطرفة والإرهابية، دون تردد، لكن الطريق لا يزال طويلا.



وأمس، أقر المجلس الوطني "البرلمان" في النمسا قانون جديد لمكافحة الإرهاب والتطرف، بهدف تكثيف وتعزيز إجراءات مواجهة الإرهاب والتطرف في البلاد بعد أشهر من هجوم فيينا الدامي في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وقال وزير الداخلية النمساوي، كارل نيهامر إن التشريع الجديد "تتيح تغليظ العقوبات على البيئات الحاضنة للمتطرفين وتسهل عملية مراقبتهم وكذلك مراقبة خطاب الكراهية والتشدد الديني واستغلال شبكة الانترنت في هذه الأغراض".

وتابع أن البرلمان وافق على الإلزام بوضع السوار الإلكتروني في الكاحل في حالة الإفراج المشروط عن المدانين بالإرهاب كما يستحدث القانون الجديد، مسمى الجريمة الجنائية ذات الدوافع الدينية.

كما تشجع القوانين الجديدة، الجناة على النأي بأنفسهم عن البيئة التي ساهمت في تطرفهم، مثل التنظيمات الإسلامية، والمراكز والجمعيات الإسلامية.

وتستحدث التشريعيات ما يعرف بـ"مؤتمرات الحالة"، التي تدرس حالة الجناة المفرج عنهم، في فترة الإشراف القضائي، في محاولة لمنع تكرار حالة منفذ هجوم فيينا الذي أفرج عنه في قضية تطرف قبل إكمال مدة الحبس المفروضة قضائيا، ولم يخضع للتقييم أو المراقبة حتى تنفيذه الهجوم.

وفي هذا الإطار، قال البرلماني البارز عن حزب الخضر في تصريحات لصحيفة كورير النمساوية "خاصة" الصادرة الخميس، إن حزمة مكافحة الإرهاب "رد فعل دستوري حكيم على ظاهرة الإرهاب"، وأكد في الوقت نفسه أن المسلمين ليسوا فقط جزءًا من تاريخ النمسا ولكن أيضًا جزء من البلاد.

وأضاف "سنقف معًا ضد أولئك الذين يريدون تدمير هذا المجتمع"، في إشارة إلى التنظيمات الإرهابية.

وتستهدف حزمة القوانين التي مررها البرلمان النمساوي، لمواجهة البيئات والتنظيمات الحاضنة للإرهاب، والتي تحض على التطرف والكراهية سواء في العالم الإفتراضي أو في الواقع العملي.

وحصدت حزمة القوانين الجديدة أصوات حزبي الائتلاف الحاكم؛ الشعب "يمين وسط" والخضر "يسار وسط"، وكذلك أجزاء كبيرة من كتلتى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والحزب الليبرالي الجديد في جلسة أمس، تابعها مراسل "العين الإخبارية".

لكن حزب الحرية الشعبوي اتخذ موقفا معارضا لحزمة القوانين الجديدة، ورأى أنها غير كافية لمحاربة الإرهاب والتنظيمات الحاضنة له، والتنظيمات التي تزرع التطرف في المجتمع.

فيما قال وزير الداخلية في تصريحات نشرتها صحيفة كرونه النمساوية الخميس، إن "الإسلام السياسي بلاء في النمسا"، مضيفا "الإسلام السياسي ينتقد المجتمع والتعايش، لذلك فإن تغليظ إجراءات مواجهته، صحيح".

كما أكد المجلس الوطني على قانون حظر رموز التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، الذي دخل حيز التنفيذ بشكله الموسع في مارس آذار 2019.

وينص قانون الرموز على حظر استخدام رموز كل من التنظيمات التالية: داعش، والإخوان، وتنظيم القاعدة، والذئاب الرمادية التركية، وحزب العمال الكردستاني، وحركة حماس، وميليشيات حزب الله اللبناني.

وطبقا للقانون، يحظر عرض أو حمل أو توزيع شعارات هذه الجماعات في لأماكن العامة، بما في ذلك بمساعدة وسائل الاتصال الإلكترونية.

ويرى مراقبون أن تأكيد حزمة القوانين النمساوية لمكافحة الإرهاب على مواجهة التنظيمات التي تحض على التطرف والإرهاب والكراهية، خطوة جديدة في مسار مكافحة البلاد لتنظيم الإخوان الإرهابي.

ومنذ 9 نوفمبر تشرين الثاني، تشن السلطات النمساوية حملة سياسية وقانونية غير مسبوقة أوروبيا على تنظيم الإخوان على أراضيها، وسط تحقيقات واسعة في ملف التنظيم وأنشطته.

ومؤخرا، كشفه هاينزيورج بيخر، مدير المكتب الإعلامي للادعاء العام في جراتس، جنوبي النمسا، لـ"العين الإخبارية" أن "التحقيقات في ملف جماعة الإخوان المسلمين لم تنته بعد، ولا تزال مستمرة".

والسبب -كما يوضحه بيخر- هو "العدد الضخم من الوثائق المنتظر فحصها"، مشيرا إلى أنه "ليس بالإمكان في الوقت الحالي توقع وقت معين للانتهاء من التحقيق".

ويتولى مكتب الادعاء العام في جراتس التحقيق في ملف الإخوان، نظرا لأن المدينة تعد المركز الأساسي للجماعة الإرهابية في النمسا، وتتواجد فيها مقرات رئيسية لجمعيات مرتبطة بالجماعة مثل "رابطة الثقافة".

ويتوقع مراقبون أن يرسل مكتب الادعاء العام ملف التحقيقات كاملا ولائحة الاتهام إلى محكمة جراتس، في النصف الأول من العام المقبل.

وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نفذت الشرطة النمساوية مداهمات في 4 ولايات اتحادية، بينها فيينا، استهدفت أشخاصا وجمعيات مرتبطة بالإخوان الإرهابية وحركة حماس الفلسطينية.

وخلال المداهمات فتشت الشرطة أكثر من 60 شقة ومنزلا ومقرا تجاريا وناديا، وألقت القبض على 30 شخصا مثلوا أمام السلطات لـ"الاستجواب الفوري"، قبل إطلاق سراحهم، وفق بيان رسمي.

وفيما يتعلق بحزب الله اللبناني، فإن حزمة مكافحة الإرهاب التي تبناها البرلمان، أكدت قرار الحكومة النمساوية قبل أسابيع، حظر رموز حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري في البلاد.

وتعد خطوة حظر رموز حزب الله تقدم ضئيل مقارنة بالموقف الأوروبي الذي يصنف الجناح العسكري فقط إرهابيا، ولا يتخذ اي إجراءات ضد جناح حزب الله السياسي، وفق مركز مينا واتش البحثي النمساوي.

وقال المركز أيضا إن الخطوة ليست كافية لمكافحة حزب الله في الأراضي النمساوية، ويتطلب الأمر حزمة من الإجراءات بينها مكافحة جمع التبرعات لصالح المليشيا وعمليات غسيل الأموال التي تقوم بها، فضلا عن عناصرها النشطين في البلاد، والجمعيات المرتبطة بها.

ولذلك، يرى مراقبون أن النمسا، وإن كانت تسير بخطى ثابتة في مسار مواجهة حزب الله والإخوان، إلا أن طريقها لا يزال طويلا لإنجاز الملف ووضع نهاية للأنشطة الإرهابية التي تتخذ وجها مدنيا، وتجفيف منابع جمع الأموال، ومحاصرة أبواق نشر التطرف.