يحتل غاز الميثان المرتبة الثانية بعد غاز ثاني أكسيد الكربون من ناحية تأثيره على البيئة مع العلم أن له قدرة على الاحتفاظ بالحرارة أكثر بـ 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون. ولكنه أيضاً أقل ضرراً منه بسبب أن فترة بقائه في الطبيعة أقل بشكل كبير. ففي حين أن غاز الميثان قد يبقى في الطبيعة لمدة تصل إلى 12 عاماً، فإن ثاني أكسيد الكربون يبقى إلى مئات السنين. ولذا فإن العمل على تقليل انبعاثات الميثان سيكون له تأثير كبير على المدى القصير على ظاهرة الاحتباس الحراري، وتشمل القطاعات المولدة لهذا الغاز ما يلي: الزراعة بنسبة 40%، النفط والغاز بنسبة 35%، وأخيراً النفايات بنسبة 20%.

ومن الجدير بالذكر أن المصادر الأساسية لإنتاج غاز الميثان تعتمد بشكل رئيس على الأنشطة البشرية، ولذا فإن الحلول المقدمة للحد من تأثيره يجب أن تكون مرتبطة بتغير أنماط الاستهلاك، بالإضافة إلى تحسين كفاء الأنظمة المستخدمة، وتطوير طرق الرصد والمتابعة. ومن التطبيقات التي لاقت رواجاً مؤخراً للكشف عن تسريبات غاز الميثان هو استخدام صور الأقمار الصناعية، فقد استطاعت باحثة في جامعة ليدز أن ترصد تسرب لغاز الميثان حينما كانت تقييم تسرب غاز الميثان من مواقع دفن النفايات.لكنها لاحظت في الصور مؤشرات مميزة لتسرب غاز الميثان قادمة من خط أنابيب غاز مملوك لشركة «ويلز آند ويست يوتيليتيز».

إن هذا التقدم مهد الطريق إلى مبادرة نحو إطلاق قمر صناعي مخصص لمتابعة رصد غاز الميثان حول العالم، والذي يعرف بـميثان سات (MethaneSAT). وسوف يقوم هذا القمر الصناعي بمراقبة 80% من المناطق التي ينتج وينقل فيها الغاز الطبيعي في العالم. لذا سوف يغطي القمر مساحات شاسعة، وسيقوم بجمع بيانات تفصيلية لتحديد أماكن الانبعاثات. وكما يقول الخبراء: فقريباً لن يكون هناك مكان لمسببي الانبعاثات للاختباء، فسوف تكون البيانات فاضحة لهم بشكل لا يجعل مجالاً للشك. وتأتي هذا المبادرة في ظل التزام معظم شركات النفط والغاز في مؤتمر المناخ (COP28)على خفض انبعاثات غاز الميثان بأكثر من 80% بحلول عام 2030.

ورغم أهمية تقليل انبعاثات غاز الميثان في الجو، إلا أن فهم تبعاته على البيئة بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتعمق. ففي دراسة مؤخراً نشرت في دورية (Nature Geoscience) العلمية، وقام بها باحثون من جامعة (UC Riverside)، تم التوصل إلى نتائج غير متوقعة للدور الحقيقي لغاز الميثان في الجو. فقد وجدوا أن الغاز يسخن الجو كما هو معروف، ويبرده أيضاً في نفس الوقت. فقد اتضح أن الميثان يمتص أيضاً الطاقة القادمة من الشمس، مما يؤدي إلى تقليل كمية الأشعة الشمسية الواصلة إلى الأرض، و يساهم كذلك في تشكل سحب لها مفعول تبريد للغلاف الجوي. وبحسب الدراسة فإن هذا الدور يقلل من آثاره المتوقعة في الاحتباس الحراري بما نسبته 30%. وهذا لا يعني أبداً أنه غاز صديق للبيئة، لكن هذه الدراسة تدعو إلى زيادة الاستثمار في دراسة التأثيرات المختلفة للغازات الدفيئة على النظام البيئي، وبالأخص تطوير أنظمة متقدمة لتطوير نماذج محاكاة من أجل الوصول إلى نتائج صحيحة، وبالتالي تبني سياسات واستراتيجيات مناسبة.

* مدير برنامج الطاقة والبيئة - مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» [email protected]