قد يعتقد بعض الناس أن المناصب العليا تحمل صاحبها فوق السحاب، وقد يرى آخرون في أن تصل المرأة لمثل هذه المناصب، أنها مجرد إنجاز، لكن الأغلب الأعم منهم، لا يعلم ماذا حدث في أعماق صاحب هذا المنصب من صراعات نفسية، وكيف كان يفكر ويعيش لحظات قد لا يستطيع آخرون أن يتحملوا صعوباتها أو يكون لديهم القدرة على اتخاذ قرار ورد فعل موازٍ ومكافئ للحظة التي يقفون عندها.

لقد كتب العشرات من الباحثين والكتاب عن المرأة وإنجازاتها، وربما كتب آخرون من زملائي، عن وصول أول سيدة بحرينية لمنصب رئيس المجلس التشريعي، لكنني على يقين بأنهم لم يتطرقوا في أي بحث أو كتاب عما وراء النفس وماذا كان يحدث في أعماق عقل تلك المرأة منذ بدأت التفكير في دخول المعترك السياسي، حتى واجهت صراع الجدل النفسي والتفكير في التحديات التي سوف تواجهها.

وهنا سأبحر في عقل ونفس فوزية زينل لأرى تلك الأسئلة.. «كيف سأقنع الناس بأنني قادرة على تمثيلهم بجدارة؟».. «ماذا سيكون رد فعلهم وفعلي عندما تعلن نتيجة فوزي بمقعد الدائرة؟»... وعندما قررت أن تترشح لمنصب رئيس المجلس... «كيف سأواجه المنافسة الشديدة مع زملاء مخضرمين؟».. «كيف ستمر لحظات الاقتراع لاختيار رئيس المجلس؟».

تخيل عزيزي القارئ لو كنت في مكانها تعيش لحظات القلق والانتظار لأعظم نتائج إنجاز في تاريخ حياتك العملية.. كيف سيكون موقفك في تلك الدقائق التي ربما شعرت بها تلك المرأة «وليس رجلاً» ومرت عليها وكأنها دهر من الزمن.

لاشك في أن الجميع يتمنى هذا المنصب، لكن لا ريب أيضاً في أن توابعه وحواشيه من إجراءات ولحظات واتخاذ قرارات، وإيماءات ونظرات تحتاج إلى إنسان ذي طاقة جبارة يستطيع أن يتمالك أعصابه.

ثم تأتي لحظة إدارة أول جلسة لمجلس النواب البحريني برئاسة امرأة، وما أدراك كيف كان عقل ونفس فوزية في تلك اللحظة الأكثر صعوبة في حياتها -كما أعتقد- فهي تعلم أن مئات العيون من داخل وخارج البحرين تنظر إليها وتركز في كلماتها وحركاتها، ويراها العالم من خلال التلفزيون والإنترنت، ويرقبونها بتفحص لا يطيقه بشر عادي.

لقد استطاعت السيدة فوزية زينل أن تتجاوز تلك المصاعب وتعبر هذا الاختبار على مدار 4 سنوات لتؤكد أنها فعلاً نجحت –ليس كعضو أو رئيس لمجلس النواب– ولكن نجحت في إدارة عقلها ونفسها قبل أن تدير أول مجلس تشريعي تقوده امرأة في الشرق الأوسط، وسنرى منها أكثر إذا ما كتب لها النجاح في المجلس التشريعي القادم لأنها تسير بثبات نحو آفاق إقليمية ودولية وسيكون لها شأن آخر لم نرَه من قبل، لتؤكد دون أدنى شك بأن مسيرة التقدم والنماء التي يقودها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه مستمرة إلى ما لا نهاية.

إن النفس البشرية تبقى السر الأعظم الذي ربما لا يعلمه إلا الله، لكن الجزء المعلوم منها هو لصاحب تلك النفس، التي تتحدث إليه وتتحداه وتفكر معه وتجادله.

* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية