عمد النظام الإيراني إلى توظيف الفضائيات السوسة التي أسسها للدفاع عنه فوجهها إلى تخصيص جل نشراتها الإخبارية وبرامجها و«خيلها ورجلها» لتغطية المظاهرات التي تم إخراج المشاركين فيها من بيوتهم عنوة، ولتقول إن هذا هو الشعب الإيراني وليس أولئك الذين خرجوا للاحتجاج ويسعون للإفلات من الحال التي صاروا فيها، ولتقول كذلك إن المحتجين ليسوا سوى مجموعة صغيرة لا تأثير لها!

مثال تلك الفضائيات هو قناة «الميادين» التي تفرغت لتغطية المظاهرات التي نظمتها السلطة في طهران وعدد من المدن الإيرانية وعمدت إلى انتزاع التصريحات من بعض المشاركين فيها والزيادة عليها لتصب في الاتجاه المطلوب، كما خصصت أغلب برامجها في الأيام الأخيرة لاستضافة «الخبراء والجنرالات» الموظفين لديها ليقولوا ما يريد النظام الإيراني منهم قوله.

ما قامت به «الميادين» والفضائيات الإيرانية الأخرى منذ أيام كان مثال الفزعة التي لا بأس لو تم معها ليّ عنق الحقيقة، حيث الغاية هي إظهار المحتجين على شراسة النظام وقتله للفتاة مهسا في مظهر المجرم الذي يريد بإيران السوء وينبغي القضاء عليه.

تلك الفضائيات لم تتحدث طيلة الأيام الماضية عن الأحوال المعيشية للإيرانيين ولم تتطرق إلى الأسباب الحقيقية لخروجهم إلى الشوارع وما جرى على تلك الفتاة البريئة ولم تسمح بتصريح واحد يبين الظلم الذي يمارسه الملالي منذ أربعين سنة ونيف على الناس في إيران. تلك الفضائيات عمدت إلى إبراز النظام الإيراني على أنه النظام الذي ينبغي أن يسود العالم كله لأنه «لا يقبل بالظلم قيد أنملة ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنه يكفي أن أحد مسؤوليه صرح بأن موت الفتاة قيد التحقيق»!

ما مارسته الفضائيات السوسة في الأيام الماضية ولا تزال يؤكد أن لدى النظام الإيراني ترسانة إعلامية قادرة على قلب الحقائق وجعل الآخرين يصدقون كذبها ويتعاطفون معه، وأنها من الثقة في نفسها بحيث تستطيع أن تقول من دون تردد إن مهسا هي التي طلبت من جلاديها قتلها!