لعل ما يؤكد ما كتبته في مقال سابق بشأن المحكمة الجنائية الدولية، هو ما فعله مدعيها العام السيد كريم خان، الأسبوع الماضي حين زار إسرائيل وتجاهل غزة، فأثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن تلك النوعية من المحاكم لن تأتي بأي حق ولن تحقق أي عدالة.
فلقد كان عنوان زيارة «خان» هو أنه ذاهب للتعبير عن التعاطف مع جميع الضحايا وبدأ حواراً تمهيداً للتحقيق في أحداث السابع من أكتوبر الماضي، وبدلاً من أن يستمع للضحية ترك أذنيه ليملأها الجاني بحفنة من الأكاذيب والترهات.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية، قد أعلنت عن الزيارة وبررتها بأنها جاءت «بناء على طلب ودعوة من ناجين وعائلات ضحايا هجوم حماس»، بينما لم تذكر شيئاً عن جرائم الحرب المتواصلة حتى الساعة من إسرائيل، وكأن المحكمة قد تركت نصف ميزان العدالة في لاهاي وجاءت بكفة واحدة حملها السيد «خان» لإسرائيل.
ومن الغريب أن المحكمة قد أكدت أن الزيارة «ليست ذات طبيعة تحقيقية»، بل «تمثل فرصة مهمة للتعبير عن التعاطف مع جميع الضحايا»، ولكن الواقع سيكون حواراً من طرف واحد فقط، ولن يتحدث في المحكمة إلا القاتل ليحصل على براءته.
ولتبرير مواقف السيد «خان»، فقد جاء خلفاً للمدعية فاتو بنسودا التي تعرضت لعقاب من الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تجرأت وفتحت تحقيقاً في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في عام 2021، فتم إزاحتها للمجيء بمدعٍ عام متوافق مع فكرة العدالة الجنائية الدولية، فجيء بالسيد «خان».
ولم يكن السيد «خان» إلا مرشح دولة الإجرام حيث انتخبته إسرائيل وفاز بـ63 صوتاً من إجمالي أصوات 123 دولة عضوا في المحكمة، بعد أن قدم أوراقه وسجله في التحقيقات «المرضي عنها»، حيث قاد «خان» التحقيقات الأممية ضد جرائم مقاتلي تنظيم الدولة في العراق والشام «داعش»، ولم تتطرق تحقيقاته لجرائم أخرى حدثت في نفس الفترة وعلى نفس الأرض.
ورغم تقدم 5 دول موقعة على المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية بطلب لإجراء تحقيق بشأن «الوضع في دولة فلسطين»، إلا أن «خان» رد عليهم بأنه جمع «كمّا كبيراً من المعلومات»، ولم يذكر من أي مصدر جمع تلك المعلومات، وكيف سيتعامل مع القضية، ومن سيكون الضحية ومن الجاني.
لقد تجاهل السيد «خان» عدالة محكمته الإنسانية، وهو يعلم تماماً أنه لو لم يكن كذلك، فلن يجلس كثيراً على مقعده، وله في من سبقته عبرة، ولذلك فلن نستغرب أبداً أن يصدر السيد «خان» حكماً بإدانة أطفال ونساء وشيوخ غزة لمقاومتهم الاحتلال ويحكم عليهم جميعاً بالإعدام.
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية