منذ انطلاق المسيرة الإصلاحية في مملكة البحرين؛ شهدت البلاد تحولات عميقة في كل المجالات، جعلت منها نموذجاً مميزاً في المنطقة والعالم، خاصة في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان.

فهذه القيمة التي تمثل أحد أهم أهداف التنمية المستدامة، كانت على الدوام ممارسة واقعية تحظى برعاية سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، الذي جعل الكرامة الإنسانية في صدارة أولويات الدولة.

ومع حلول التاسع من نوفمبر من كل عام، تستعيد البحرين ذكرى تأسيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي نحتفل هذا العام بمرور ستة عشر عاماً على إنشائها بأمر ملكي سامٍ، لتكون خطوة مفصلية في بناء منظومة وطنية متكاملة تعزز العدالة والمساواة، وتواكب أرقى المعايير الدولية.

على مدى هذه الأعوام، تحولت المؤسسة إلى بيت للإنسان، تصغي لشكاواه، وتتابع أوضاعه، وتعمل بجد على ضمان حقوقه في بيئة قائمة على القانون والاحترام المتبادل، لقد كانت ثمرة رؤية ملكية بعيدة المدى، آمنت بأن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها، وأن حماية حقوقه إلى جانب كونه واجباً دستورياً؛ فهو في الأساس مسؤولية أخلاقية تعكس هوية البحرين وتاريخها.

ولا شك أن الدعم المتواصل من جلالة الملك المعظم كان ركيزة نجاح المؤسسة واستقلاليتها، وهو ما مكنها من أداء دورها بمهنية ومسؤولية، لتصبح نافذة البحرين أمام العالم، تعكس صورتها الحقيقية كدولة مؤسسات توازن بين التحديث والأصالة، وبين التنمية واحترام الحقوق.

لقد راكمت المؤسسة خلال ستة عشر عاماً تجربة غنية، من خلال تلقي الشكاوى، وإجراء الزيارات الميدانية، وتقديم المشورة في التشريعات والسياسات، إلى جانب نشر الوعي الحقوقي عبر البرامج التدريبية والتوعوية، وبناء جسور تعاون مع الجامعات والمنظمات المحلية والدولية.

لكن ما يميز التجربة البحرينية في هذا المجال، في رأيي، أن فكرة حقوق الإنسان ليست دخيلة على مجتمعنا، بل متجذرة في قيمنا اليومية، فالبحريني بطبيعته يميل إلى العدل، ويحترم جاره، ويقف مع الضعيف، ويؤمن بالمساواة بين الناس. هذه السلوكيات البسيطة هي جوهر ثقافة حقوق الإنسان قبل أن تدرس في الجامعات، أو تذكر في المواثيق الدولية.

اليوم، حين نحتفل بمرور ستة عشر عاماً على تأسيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، فإننا لا نحتفل بإنجاز مؤسسي فحسب، بل نحتفل بمسيرة وطن اختار أن يبني نهضته على أساس الكرامة والعدالة والاحترام المتبادل.هذه هي البحرين التي عرفها العالم؛ دولة صغيرة في حجمها، كبيرة في قيمها، تمضي بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر إنسانية.