مواصلة للحديث حول خطة مجموعة كانو في توظيف أبناء العائلة في مراكز قيادية في المجموعة، وهي الخطة التي بدأنا بتنفيذها قبل عدة أسابيع وأعلنا عنها في حينها، وردتنا استفسارات عديدة فيما إذا هذه الخطة استفادت من التجارب العالمية في رسم أهدافها وآليات عملها، خاصة أن مجموعة كانو مضى على تأسيسها أكثر من 120 عاماً.
حقيقة، بات من البديهيات أن التجارب العالمية لا يمكن استنساخها بشكل آلي في أي من الحقول والأنشطة الاقتصادية. نعم هناك دروس يمكن الاستفادة منها، وأشكال عامة من التنظيم يمكن الاسترشاد بها، ولكن لا يمكن نقلها حرفياً في بيئات تختلف عن بيئتها الأصلية.
لذلك، عندما نتحدث عن حجم استفادة الخطة التي وضعناها لتوظيف الأبناء في الشركة العائلية في مجموعة كانو من التجارب العالمية، فإننا نتحدث تحديداً عن حجم استفادتنا من الدروس التي تعلمناها من هذه التجارب، سواء تلك المتعلقة بالجوانب الإيجابية في هذه التجارب التي يجب أن نتبناها أو الجوانب السلبية التي يجب أن نتجنبها.
فعلى سبيل المثال، من بين الدروس الإيجابية المستفادة في وضع خطة توظيف الأبناء في مجموعة كانو أننا كنا نعرف من نوظف وما هي إمكانيات وقدرات كل فرد قررنا توظيفه. ففي حالات التوظيف العادية، تقوم الشركة العائلية بإجراء مقابلة شاملة مع المرشحين وإخضاعهم لفترة تجريبية على أمل أن تتمكن من التعرف عليهم جيداً خلال فترة زمنية قصيرة لاتخاذ قرار تثبيتهم في وظائفهم، حيث قد تظهر بعد التوظيف معلومات مخفية تؤثر على قرار التثبيت. ولكن مع أفراد الأسرة، أنت تعرف ما ستحصل عليه، فهؤلاء الأشخاص الذين توظفهم تعرفهم لفترة طويلة بحكم علاقتك العائلية وتعرف شخصياتهم ومهاراتهم وخبراتهم. كما تعرف نقاط قوتهم وضعفهم. وفوق هذا كله هناك أيضاً عامل الثقة الذي وجد بحكم العلاقات العائلية القائمة بخلاف حالة التوظيف العادية التي تستغرق بعض الوقت لكسب الثقة في الموظفين الجدد.
رغم كل هذه الإيجابيات جميعها، قد يجادل البعض، وهي مجادلة سليمة على أية حال، وبحسب ما تظهر التجارب العالمية للكثير من الشركات العائلية، أن أبناء العائلة حتى وإن كنت تعرف مدى كفاءتهم للمنصب الذي اخترته لهم بحكم تقييمنا السابق لمهاراتهم ونقاط القوة والضعف لديهم، إلا أن أي شخص عندما تضعه على رأس الإدارة الفعلية للمشروع بهدف تسييره بصورة يومية ليس بالضرورة سوف يتمكن من استحضار تلك المهارات وجوانب القوة في هذه المهمة لأن المعرفة النظرية شيء والمعرفة والتطبيق العملي شيء آخر. هذا علاوة على أن الإدارة اليومية للمشروع قد تتطلب مهارات خفية غير ظاهرة في البداية عند تقييم الشخص، ولكن تبرز أهميتها لاحقاً مع التشغيل الفعلي للمشروع.
وهنا أيضاً نقول إن الخطة التي وضعناها في مجموعة كانو استفادت من هذه الدروس في آليات عملها. فمن جهة نحن أخضعنا الأبناء الذين قمنا باختيارهم لمناصب قيادية في فروع المجموعة لفترة تجريبية سوف تمتد لعام كامل، مع تقييم دوري كل ثلاثة شهور. وبعد مرور عام على بدء تنفيذ الخطة سوف ننظر في أداء كل عضو من أفراد العائلة في المواقع التي يشغلونها وقد نضطر للقيام ببعض التغييرات أو نقوم بإعادة توجيههم كي يصبحوا منتجين أكثر.
من جانب آخر، تتضمن الخطة تنفيذ إطار حوكمي يحول دون التفرد بالقرارات الفردية في تسيير فروع الشركة. فقد أصدرنا تعميماً مكتوباً وملزماً يوضح توزيع السلطة بين مجلس الإدارة واللجان التنفيذية بحيث تعطي صلاحيات لرؤساء اللجان ونوابهم وكذلك الإدارة التنفيذية لاتخاذ القرارات مع التأكيد على أن القرار يجب أن يكون صادراً من اللجان وبصورة جماعية وليس من الأفراد.
من القضايا الشائكة أيضاً لدى توظيف الأبناء في الشركات العائلية، ووفقاً لما هو مستفاد من التجار العالمية، مسألة تعيين أجور ومكافآت أفراد الأسرة الموظفين في الشركة. فمثل هذا الموضوع يمكن أن يؤثر على العلاقات الأسرية بشكل غير ملائم، ومن ثم يطال تأثيره عملية اتخاذ القرارات التجارية نفسها. هل يخضع أبناء العائلة لنفس سلم الرواتب والمكافآت الذي يخضع له الموظفون العاديون أم يتم وضع سلم رواتب ومكافآت خاص بهم؟
هنا نعتقد، وهذا ما سعينا إلى ترجمته في خطة توظيف الأبناء التي وضعناها، أن العوامل المرتبطة بتحديد سلم أجور ومكافآت أبناء العائلة هي عديدة ومتشعبة ويجب أن تأخذ بالاعتبار عدداً من الجوانب. وأولى هذه الجوانب أنه يجب أن يكون هناك أساس منطقي في تحديد هذا السلم، أي يجب ألا يحدد عشوائياً أو بصورة عاطفية. بل يجب أن يبنى على عدة اعتبارات مثل الكفاءة والخبرة والشهادة وحجم النتائج المتحققة وحجم المخاطر التي تنطوي عليها إدارة المشروع. والجانب الثاني هو أن سلم الرواتب والمكافآت يجب ألا يكون في مستويات غير منطقية بالمقارنة مع سلم الرواتب والمكافآت للموظفين العاديين لأن ذلك سيكون له أيضاً انعكاسات سلبية على الشركة. والجانب الثالث هو الجانب التحفيزي في تصميم هذا السلم بحيث يأخذ بالاعتبار أن هؤلاء الأبناء الذين اختيروا لهذه المراكز هم الجيل القادم الذي سوف يتولى إدارة المجموعة، وأن عليهم تطوير مهاراتهم وكفاءاتهم بصورة ملائمة ومتينة خلال فترة إدارتهم لفروع الشركة. وهكذا قمنا من خلال الهيكل الجديد بتصميم سلم الرواتب والمكافآت بحيث يحصل أفراد العائلة الذين يعملون في الإدارة على رواتب وعلاوات مرتبطة بأداء الشركة التي يشرفون عليها، ولكنها رواتب ومكافآت عادلة ومغرية بنفس الوقت بحيث تحفزهم على الالتزام بنجاح المجموعة. وسيكون لحديثنا عن بقية الدروس وقفات في مقالات أخرى إن شاء الله.
* رئيس مجموعة يوسف بن أحمد كانو - رئيس الجمعية البحرينية للشركات العائلية
{{ article.visit_count }}
حقيقة، بات من البديهيات أن التجارب العالمية لا يمكن استنساخها بشكل آلي في أي من الحقول والأنشطة الاقتصادية. نعم هناك دروس يمكن الاستفادة منها، وأشكال عامة من التنظيم يمكن الاسترشاد بها، ولكن لا يمكن نقلها حرفياً في بيئات تختلف عن بيئتها الأصلية.
لذلك، عندما نتحدث عن حجم استفادة الخطة التي وضعناها لتوظيف الأبناء في الشركة العائلية في مجموعة كانو من التجارب العالمية، فإننا نتحدث تحديداً عن حجم استفادتنا من الدروس التي تعلمناها من هذه التجارب، سواء تلك المتعلقة بالجوانب الإيجابية في هذه التجارب التي يجب أن نتبناها أو الجوانب السلبية التي يجب أن نتجنبها.
فعلى سبيل المثال، من بين الدروس الإيجابية المستفادة في وضع خطة توظيف الأبناء في مجموعة كانو أننا كنا نعرف من نوظف وما هي إمكانيات وقدرات كل فرد قررنا توظيفه. ففي حالات التوظيف العادية، تقوم الشركة العائلية بإجراء مقابلة شاملة مع المرشحين وإخضاعهم لفترة تجريبية على أمل أن تتمكن من التعرف عليهم جيداً خلال فترة زمنية قصيرة لاتخاذ قرار تثبيتهم في وظائفهم، حيث قد تظهر بعد التوظيف معلومات مخفية تؤثر على قرار التثبيت. ولكن مع أفراد الأسرة، أنت تعرف ما ستحصل عليه، فهؤلاء الأشخاص الذين توظفهم تعرفهم لفترة طويلة بحكم علاقتك العائلية وتعرف شخصياتهم ومهاراتهم وخبراتهم. كما تعرف نقاط قوتهم وضعفهم. وفوق هذا كله هناك أيضاً عامل الثقة الذي وجد بحكم العلاقات العائلية القائمة بخلاف حالة التوظيف العادية التي تستغرق بعض الوقت لكسب الثقة في الموظفين الجدد.
رغم كل هذه الإيجابيات جميعها، قد يجادل البعض، وهي مجادلة سليمة على أية حال، وبحسب ما تظهر التجارب العالمية للكثير من الشركات العائلية، أن أبناء العائلة حتى وإن كنت تعرف مدى كفاءتهم للمنصب الذي اخترته لهم بحكم تقييمنا السابق لمهاراتهم ونقاط القوة والضعف لديهم، إلا أن أي شخص عندما تضعه على رأس الإدارة الفعلية للمشروع بهدف تسييره بصورة يومية ليس بالضرورة سوف يتمكن من استحضار تلك المهارات وجوانب القوة في هذه المهمة لأن المعرفة النظرية شيء والمعرفة والتطبيق العملي شيء آخر. هذا علاوة على أن الإدارة اليومية للمشروع قد تتطلب مهارات خفية غير ظاهرة في البداية عند تقييم الشخص، ولكن تبرز أهميتها لاحقاً مع التشغيل الفعلي للمشروع.
وهنا أيضاً نقول إن الخطة التي وضعناها في مجموعة كانو استفادت من هذه الدروس في آليات عملها. فمن جهة نحن أخضعنا الأبناء الذين قمنا باختيارهم لمناصب قيادية في فروع المجموعة لفترة تجريبية سوف تمتد لعام كامل، مع تقييم دوري كل ثلاثة شهور. وبعد مرور عام على بدء تنفيذ الخطة سوف ننظر في أداء كل عضو من أفراد العائلة في المواقع التي يشغلونها وقد نضطر للقيام ببعض التغييرات أو نقوم بإعادة توجيههم كي يصبحوا منتجين أكثر.
من جانب آخر، تتضمن الخطة تنفيذ إطار حوكمي يحول دون التفرد بالقرارات الفردية في تسيير فروع الشركة. فقد أصدرنا تعميماً مكتوباً وملزماً يوضح توزيع السلطة بين مجلس الإدارة واللجان التنفيذية بحيث تعطي صلاحيات لرؤساء اللجان ونوابهم وكذلك الإدارة التنفيذية لاتخاذ القرارات مع التأكيد على أن القرار يجب أن يكون صادراً من اللجان وبصورة جماعية وليس من الأفراد.
من القضايا الشائكة أيضاً لدى توظيف الأبناء في الشركات العائلية، ووفقاً لما هو مستفاد من التجار العالمية، مسألة تعيين أجور ومكافآت أفراد الأسرة الموظفين في الشركة. فمثل هذا الموضوع يمكن أن يؤثر على العلاقات الأسرية بشكل غير ملائم، ومن ثم يطال تأثيره عملية اتخاذ القرارات التجارية نفسها. هل يخضع أبناء العائلة لنفس سلم الرواتب والمكافآت الذي يخضع له الموظفون العاديون أم يتم وضع سلم رواتب ومكافآت خاص بهم؟
هنا نعتقد، وهذا ما سعينا إلى ترجمته في خطة توظيف الأبناء التي وضعناها، أن العوامل المرتبطة بتحديد سلم أجور ومكافآت أبناء العائلة هي عديدة ومتشعبة ويجب أن تأخذ بالاعتبار عدداً من الجوانب. وأولى هذه الجوانب أنه يجب أن يكون هناك أساس منطقي في تحديد هذا السلم، أي يجب ألا يحدد عشوائياً أو بصورة عاطفية. بل يجب أن يبنى على عدة اعتبارات مثل الكفاءة والخبرة والشهادة وحجم النتائج المتحققة وحجم المخاطر التي تنطوي عليها إدارة المشروع. والجانب الثاني هو أن سلم الرواتب والمكافآت يجب ألا يكون في مستويات غير منطقية بالمقارنة مع سلم الرواتب والمكافآت للموظفين العاديين لأن ذلك سيكون له أيضاً انعكاسات سلبية على الشركة. والجانب الثالث هو الجانب التحفيزي في تصميم هذا السلم بحيث يأخذ بالاعتبار أن هؤلاء الأبناء الذين اختيروا لهذه المراكز هم الجيل القادم الذي سوف يتولى إدارة المجموعة، وأن عليهم تطوير مهاراتهم وكفاءاتهم بصورة ملائمة ومتينة خلال فترة إدارتهم لفروع الشركة. وهكذا قمنا من خلال الهيكل الجديد بتصميم سلم الرواتب والمكافآت بحيث يحصل أفراد العائلة الذين يعملون في الإدارة على رواتب وعلاوات مرتبطة بأداء الشركة التي يشرفون عليها، ولكنها رواتب ومكافآت عادلة ومغرية بنفس الوقت بحيث تحفزهم على الالتزام بنجاح المجموعة. وسيكون لحديثنا عن بقية الدروس وقفات في مقالات أخرى إن شاء الله.
* رئيس مجموعة يوسف بن أحمد كانو - رئيس الجمعية البحرينية للشركات العائلية