كانوا يعيشون في وئام، هو ليس بالوئام المطلق، فلا شيء مطلق بطبيعة الحال، بل هو وئام نسبي، يحاول فيه من هو أكثر حكمة أن يتغاضى عن بعض التصرفات لتمر الأمور بسلام ولا يتفكك رباط هذه الأسرة التي اتخذت عهدا أمام الله وأفراد عائلتها الكبيرة بالتعاون والترابط.
عاش الإخوان الستة كأي عائلة تسودها المحبة والوئام، وكشأن أي عائلة قد تحدث بعض الأمور التي قد تعكر صفو هذه الوحدة، إلا أن العقل والحكمة كانا سيدا الموقف دائما، من أجل الحفاظ على أواصر القربى، ولكي لا تتفتت هذه الأسرة القوية المتحابة والمتراصة.
وبما أن الأسرة مؤلفة من ستة أشقاء، فبطبيعة الحال بأن لك شقيق شخصية مستقلة، وصفات فطرية وهبها الله له، وأخرى اكتسبها من خلال مسيرته في هذه الحياة. ولكن هذه الاختلافات البسيطة لم تؤثر على وشائج الدم والقربى، أو هذا ما كان يعتقد.
كان أحد الإخوة يتعمد إثارة الفتن بين الفينة والأخرى، ولكن باقي الإخوان كانوا منتبهين ومتيقظين لما يقوم به هذا الأخ الأرعن، وحاولوا مرارا وتكرارا أن يرجعوه إلى جادة الصواب، لكن دونما جدوى، فما يلبث هذا الأخ أن يستكين إلا وعادت حليمة لعادتها القديمة، ويبدأ من جديد بتصرفاته الحمقاء. ومع ذلك كله ظل الأخوان الأكثر حكمة واتزانا مسيطرين على زمام الأمور واضعين نصب أعينهم عدم تفتت الأسرة، وضياع عهد الإباء والأجداد.
حاول الأخوان الأكثر حكمة الجلوس مع هذا الأخ الأرعن، محاولين ثنيه عن بعض التصرفات غير اللائقة التي يقوم بها، والتي يحاول من خلالها إضعاف الثقة بين الأشقاء، وكان رد فعله في كل مرة بأنه يعتذر واعدا باقي الأشقاء بمراجعة نفسه، وعدم الرجوع لسابق فعلته متعذرا بأن ما بدر منه كان «غير مقصود». وما كان أمام الأخوان الأكبر والأكثر حكمة، إلا أن يمنحوه الفرصة تتلوها الأخرى دونما فائدة. فلقد اعتاد الأخ الخطأ حتى اعتبره مباحا ومشروعا.
وتعايش الجميع على هذا الوضع، فمتى ما أخطأ الشقيق الأرعن في حقهم، قاموا بتأنيبه وتأديبه، واستمر الوضع على هذا المنوال حتى جلب هذا الشقيق الأرعن خادما جديدا يعمل لمصلحته.
في بداية الأمر أظهر هذا الخادم جدية والتزاما كبيرا في طريقة خدمته التي بدت مبتكرة وجديدة، حتى بدأ الجميع يبارك للشقيق باختياره الجيد لهذا الخادم، ورويدا رويدا منح هذا الشقيق مهام جديدة لهذا الخادم الذي امتدت ذراعة إلى العديد من الأمور. وبدأ هذا الخادم الأجير يتوغل في كل شيء حتى بدأت الشكوك تراود بعض الأشقاء في طريقة تعامل هذا الخادم الأجير، وتدخله في شؤونهم، فحدثوا شقيقهم لكي ينهاه عن فعله الآثم. هدأ الشقيق من روع باقي الأشقاء معللا تصرفات هذا الخادم الأجير «بالاحترافية في تقديم الخدمة»، وبدأ يلمح بأن أشقاءه يغارون منه ومن الخدمات الجلية التي يقدمها هذا الخادم، ويغارون من النجاحات الكبيرة التي حققها في مسيرته التنموية.
وزاد غروهذا الشقيق المغرور أصلا، وبدأ يرى في نفسه ماردا لا ينهار، وشخصية لا تهزم، وبدأ يزيد في روعونته وتصرفاته غير المسؤولة.
أمسك به أشقائه ناصحين له، مؤكدين خوفهم عليه مما يقوم به من أفعال، لكنه وصل إلى حد من الغرور جعله لا يسمع إلا نفسه، وحلفاءه المزيفين الذي تحركهم المصالح المادية فقط.
حتى عندما يذكره الأشقاء برباط الدم وعرى القرابة، كان يحمل على وجهه ابتسامة ساخرة ويتمتم «انتهى زمن العواطف. ما أملكه قد يشتري لي أشقاء جددا مفصلين على مزاجي».
سئم الأشقاء تصرفات شقيقهم، وملوا مما يقوم به من أمور تحرجهم مع الآخرين، وتسيئ لهم وتضر بهم. وذات يوم بالغ الخادم الأجير في ثقته المطلقة التي اكتسبها من سيده، وبدأ ينشر الفتنة بين الأشقاء، ولم يترك أحدا في حاله، وبدا بإظهار خبث واضح ونشر الإشاعات والأكاذيب والأقاويل بين الأشقاء بعضهم البعض. فنبه الأشقاء شقيقهم إلى ما يقوم به خادمه الأجير من أمور، ولكنه لم يحرك ساكنا متعذرا بأن ما يفعله الخادم الأجير ينضوي تحت مبدأ «الحرية، والرأي والرأي الآخر» التي منحها إياه فعلى الرغم من أنه أجير ويعمل له وفي أرضه إلا أن مبدأ الحرية تقتضي عليه التعامل معه بهذا الأسلوب.
زعل أحد الأشقاء زعلاً شديدا لما أبداه الخادم الأجير من أمور أقل ما توصف بأنها «قلة أدب»، وطلب من شقيقه الاستغناء عنه، وإبعاده من منظومة الأسرة، إلا أن الشقيق أبى ذلك متعذرا بأنه لا يستطيع طرد الخادم الأجير لأنه يخدم مصالحه، وأنه يقوم بعمله بأكمل وجه، طالبا من الأخ الشاكي عدم التحسس من أفعال هذا الخادم الأجير.
وتصاعد الخلاف، وبدأ الأشقاء الآخرون ينزعجون أكثر مما يقوم به هذا الخادم الأجير، حيث إن شره تعدى محيط الأسرة، وبدأ يضايق باقي العوائل، وقد طلب الأشقاء من أخيهم أن يضع حدا لوجود هذا الخادم الأجير ودوره الخبيث، مخيرين الشقيق بين علاقتهم الأخوية وبين هذا الخادم الخبيت.
صمت الأخ قليلا، ورفع رأسه بغرور واستكبار، وقال لهم «أنا مصر على وجود هذا الخادم الأجير»، كرر الأشقاء كلامهم «معلنين قطع علاقتهم به في حال إصراره على وجود هذا الخادم الأجير الخبيث. فكرر بعناد إصراره على بقاء هذا الخادم الخبيث.
وبهذا اشترى الأخ وجود هذا الخادم الخبيث وباع أشقاءه وإخوته. وعندما قطع الإخوان علاقتهم بشقيقهم، زاد الشقيق في طغيانه ووجه خبث هذا الخادم لكي يثير مزيدا من المشاكل والفتن في جسد العائلة المتماسكة.
رأيي المتواضع:
سيكتب التاريخ قصصا يتوارثها أبناؤنا من بعدنا، وسيذكرهم بقصة الشقيق الذي باع إخوته الواحد تلو الآخر بمقابل زهيد، وسيتذكر التاريخ جيدا أن هناك من رفض التخلي عن «وسيلة وأداة وضيعة»، تعد بمثابة خادم خبيث، وفضلها على أشقائه وعلى المحافظة على كيان الأسرة.
عاش الإخوان الستة كأي عائلة تسودها المحبة والوئام، وكشأن أي عائلة قد تحدث بعض الأمور التي قد تعكر صفو هذه الوحدة، إلا أن العقل والحكمة كانا سيدا الموقف دائما، من أجل الحفاظ على أواصر القربى، ولكي لا تتفتت هذه الأسرة القوية المتحابة والمتراصة.
وبما أن الأسرة مؤلفة من ستة أشقاء، فبطبيعة الحال بأن لك شقيق شخصية مستقلة، وصفات فطرية وهبها الله له، وأخرى اكتسبها من خلال مسيرته في هذه الحياة. ولكن هذه الاختلافات البسيطة لم تؤثر على وشائج الدم والقربى، أو هذا ما كان يعتقد.
كان أحد الإخوة يتعمد إثارة الفتن بين الفينة والأخرى، ولكن باقي الإخوان كانوا منتبهين ومتيقظين لما يقوم به هذا الأخ الأرعن، وحاولوا مرارا وتكرارا أن يرجعوه إلى جادة الصواب، لكن دونما جدوى، فما يلبث هذا الأخ أن يستكين إلا وعادت حليمة لعادتها القديمة، ويبدأ من جديد بتصرفاته الحمقاء. ومع ذلك كله ظل الأخوان الأكثر حكمة واتزانا مسيطرين على زمام الأمور واضعين نصب أعينهم عدم تفتت الأسرة، وضياع عهد الإباء والأجداد.
حاول الأخوان الأكثر حكمة الجلوس مع هذا الأخ الأرعن، محاولين ثنيه عن بعض التصرفات غير اللائقة التي يقوم بها، والتي يحاول من خلالها إضعاف الثقة بين الأشقاء، وكان رد فعله في كل مرة بأنه يعتذر واعدا باقي الأشقاء بمراجعة نفسه، وعدم الرجوع لسابق فعلته متعذرا بأن ما بدر منه كان «غير مقصود». وما كان أمام الأخوان الأكبر والأكثر حكمة، إلا أن يمنحوه الفرصة تتلوها الأخرى دونما فائدة. فلقد اعتاد الأخ الخطأ حتى اعتبره مباحا ومشروعا.
وتعايش الجميع على هذا الوضع، فمتى ما أخطأ الشقيق الأرعن في حقهم، قاموا بتأنيبه وتأديبه، واستمر الوضع على هذا المنوال حتى جلب هذا الشقيق الأرعن خادما جديدا يعمل لمصلحته.
في بداية الأمر أظهر هذا الخادم جدية والتزاما كبيرا في طريقة خدمته التي بدت مبتكرة وجديدة، حتى بدأ الجميع يبارك للشقيق باختياره الجيد لهذا الخادم، ورويدا رويدا منح هذا الشقيق مهام جديدة لهذا الخادم الذي امتدت ذراعة إلى العديد من الأمور. وبدأ هذا الخادم الأجير يتوغل في كل شيء حتى بدأت الشكوك تراود بعض الأشقاء في طريقة تعامل هذا الخادم الأجير، وتدخله في شؤونهم، فحدثوا شقيقهم لكي ينهاه عن فعله الآثم. هدأ الشقيق من روع باقي الأشقاء معللا تصرفات هذا الخادم الأجير «بالاحترافية في تقديم الخدمة»، وبدأ يلمح بأن أشقاءه يغارون منه ومن الخدمات الجلية التي يقدمها هذا الخادم، ويغارون من النجاحات الكبيرة التي حققها في مسيرته التنموية.
وزاد غروهذا الشقيق المغرور أصلا، وبدأ يرى في نفسه ماردا لا ينهار، وشخصية لا تهزم، وبدأ يزيد في روعونته وتصرفاته غير المسؤولة.
أمسك به أشقائه ناصحين له، مؤكدين خوفهم عليه مما يقوم به من أفعال، لكنه وصل إلى حد من الغرور جعله لا يسمع إلا نفسه، وحلفاءه المزيفين الذي تحركهم المصالح المادية فقط.
حتى عندما يذكره الأشقاء برباط الدم وعرى القرابة، كان يحمل على وجهه ابتسامة ساخرة ويتمتم «انتهى زمن العواطف. ما أملكه قد يشتري لي أشقاء جددا مفصلين على مزاجي».
سئم الأشقاء تصرفات شقيقهم، وملوا مما يقوم به من أمور تحرجهم مع الآخرين، وتسيئ لهم وتضر بهم. وذات يوم بالغ الخادم الأجير في ثقته المطلقة التي اكتسبها من سيده، وبدأ ينشر الفتنة بين الأشقاء، ولم يترك أحدا في حاله، وبدا بإظهار خبث واضح ونشر الإشاعات والأكاذيب والأقاويل بين الأشقاء بعضهم البعض. فنبه الأشقاء شقيقهم إلى ما يقوم به خادمه الأجير من أمور، ولكنه لم يحرك ساكنا متعذرا بأن ما يفعله الخادم الأجير ينضوي تحت مبدأ «الحرية، والرأي والرأي الآخر» التي منحها إياه فعلى الرغم من أنه أجير ويعمل له وفي أرضه إلا أن مبدأ الحرية تقتضي عليه التعامل معه بهذا الأسلوب.
زعل أحد الأشقاء زعلاً شديدا لما أبداه الخادم الأجير من أمور أقل ما توصف بأنها «قلة أدب»، وطلب من شقيقه الاستغناء عنه، وإبعاده من منظومة الأسرة، إلا أن الشقيق أبى ذلك متعذرا بأنه لا يستطيع طرد الخادم الأجير لأنه يخدم مصالحه، وأنه يقوم بعمله بأكمل وجه، طالبا من الأخ الشاكي عدم التحسس من أفعال هذا الخادم الأجير.
وتصاعد الخلاف، وبدأ الأشقاء الآخرون ينزعجون أكثر مما يقوم به هذا الخادم الأجير، حيث إن شره تعدى محيط الأسرة، وبدأ يضايق باقي العوائل، وقد طلب الأشقاء من أخيهم أن يضع حدا لوجود هذا الخادم الأجير ودوره الخبيث، مخيرين الشقيق بين علاقتهم الأخوية وبين هذا الخادم الخبيت.
صمت الأخ قليلا، ورفع رأسه بغرور واستكبار، وقال لهم «أنا مصر على وجود هذا الخادم الأجير»، كرر الأشقاء كلامهم «معلنين قطع علاقتهم به في حال إصراره على وجود هذا الخادم الأجير الخبيث. فكرر بعناد إصراره على بقاء هذا الخادم الخبيث.
وبهذا اشترى الأخ وجود هذا الخادم الخبيث وباع أشقاءه وإخوته. وعندما قطع الإخوان علاقتهم بشقيقهم، زاد الشقيق في طغيانه ووجه خبث هذا الخادم لكي يثير مزيدا من المشاكل والفتن في جسد العائلة المتماسكة.
رأيي المتواضع:
سيكتب التاريخ قصصا يتوارثها أبناؤنا من بعدنا، وسيذكرهم بقصة الشقيق الذي باع إخوته الواحد تلو الآخر بمقابل زهيد، وسيتذكر التاريخ جيدا أن هناك من رفض التخلي عن «وسيلة وأداة وضيعة»، تعد بمثابة خادم خبيث، وفضلها على أشقائه وعلى المحافظة على كيان الأسرة.