سبق حادثة إطلاق النار على جموع المصلين يوم الجمعة في مسجد النور في نيوزلندا، في شهر مارس 2019، تصاعد موجة الكراهية ضد الإسلام وضد المهاجرين. وهذا ما عبر عنه القاتل صراحة حين بث جريمته على الهواء مباشرة عبر «الفيسبوك». كما أن تأجيج خطاب الكراهية في الولايات المتحدة الأمريكية ضد المهاجرين من أصول مكسيكية، ومن أعلى هرم في الحكومة، وفق كثير من المحللين السياسيين، كان السبب المباشر لجريمة إطلاق النار، في أغسطس الحالي 2019، على مجموعة من المتسوقين في أحد المحال الكبرى في مدينة باسو بولاية تكساس الأمريكية. فالكراهية في أهدأ موجاتها تفسد العلاقات الاجتماعية، وفي أعتى عواصفها لابد أن تؤدي إلى الاقتتال بعقلية الجاهلية الأولى.
مفهوم خطاب الكراهية من المفاهيم الحديثة التي تبلورت بتزايد القنوات الفضائية وتعدد الجهات الاقتصادية والحزبية المالكة لها، وبانتعاش وسائل التواصل الاجتماعي التي مكنت الأفراد من امتلاك منصات خاصة للتعبير عن الذات والرأي. وارتبط اضطراب مفهوم خطاب الكراهية بإشكالات توصيف الحق في حرية التعبير. فمازال الأفراد والصحافة والحكومات يتصارعون على تحديد مساحات هذا الحق والمواقع المسموح له المرور بها. وكما يستغل الأفراد والصحافة خطاب الكراهية لتصفية خصوماتهم وحصرهم في جماعات وتجمعات، فإن بعض الحكومات أيضاً تستخدم محاربته لتقييد حرية انتقاد الأفراد والأحزاب الموالين لها. وبين هذا الشد والجذب يتعرض كثير من الأفراد لحملات الازدراء والإساءة بالباطل والإضرار بالسمعة والممتلكات الخاصة وأحياناً للإضرار بسلامة الجسد.
ويمكن الاستدلال على سهولة تحول حرية الرأي إلى خطاب كراهية، بل وعجن هذا الخطاب بمكونات جديدة في كل مرحلة ما نراه من تركيز البعض، في وسائل التواصل الاجتماعي، على بث «ثيمات» الكراهية بصورة متوالية ومكثفة وعامة ضد الآخرين. ومن المفارقات العجيبة الغربية أن بعض من يقود خطاب الكراهية اليوم، كانوا يتصدون وبشكل صريح لخطاب الكراهية الموجهة «لجماعتهم» رافضين تعميم أخطاء بعض أفراد الجماعة على الكيان الكلي لها، ومحاربين وسم جماعتهم بسمات سلبية وتعميمها على الجميع. وهو موقف عقلاني صحيح يستحق التضامن والتحالف معه. غير أن العقلانية الحقيقية تستدعي استخدام المسطرة ذاتها للحكم على الآخرين والحديث عنهم.
يقوم خطاب الكراهية، في بعده الانفعالي، على واحدة من أسوأ استراتيجيات تهييج الجماهير، وهي دغدغة غرائزه البدائية المتمثلة في الغضب والكراهية. والتي تؤدي بالأفراد، وبشكل تلقائي، إلى التقوقع في جماعة مغلقة تحافظ على خصوصيتها وتمنع الاندماج بالآخرين وتغذي نفسها بنفسها بأفكارها وتطلب الحماية لأفرادها من أفرادها. وبذلك ينقسم الوطن إلى جماعات وكيانات تتشكل على أساس عرقي أو طائفي أو سياسي. وهو ما يعيق تحقق دولة المواطنة الكاملة التي يتساوى فيها الأفراد، والتي ينادي بها كثير من متزعمي خطاب الكراهية، في واحدة من أغرب تناقضاتهم!
وفي أغلب حالات تصعيد خطاب الكراهية تكون الذريعة الجاهزة والسهلة هي ركوب الموجة الوطنية. بالحديث عن الحفاظ على الهوية الوطنية، ومحاربة الفساد، وتجويد خدمات الدولة. ومن يفقه ألف باء السياسة يعرف أن هذه مجالات تقوم على برنامج عمل سياسي تشريعي واقتصادي واستراتيجي معقد. ولا تُحل بمسرحية الخلطة السرية التي يظهر فيها مروجو خطاب الكراهية بأنهم كشفوا مكوناتهم وبإمكانهم تعديل تركيبتها لتصبح وصفة سحرية ستقلب حال الوطن لينافس النموذج السنغافوري أو الفنلندي.
الخطاب الوطني هو خطاب عقلاني وإنساني رفيع القيم ينم عن امتلاك مشروع ورؤية وفهم لأهم مفاصل الأزمات في الوطن، ووعي بالضغوطات والمحاذير، والقدرة على طرح بدائل واستثمارات لكل مما سبق. أما خطاب الكراهية فهو خطاب انفعالي بدائي لن يخلو أبداً من بذاءة الألفاظ وانحطاط المعاني بل واستهداف أفراد بأعينهم وبأسمائهم وبنشر صورهم. إن هذا المنطق شبيه بواحدة من تكتيكات الثورات الملونة التي مرت على الوطني بمسمى «الربيع العربي» حيث جرى شخصنة أزمات دول في أفراد وأولهم شخص الزعيم. فقد جرى الترويج بأن إسقاط رئيس معين هو إجراء كفيل بتحويل البلاد من دولة ديكتاتورية وبوليسية إلى نموذج ديمقراطي سيدرج في كتب التاريخ والعلوم السياسية.
وحقيقة ما حصل هو «شخصنة» مشكلات الدولة في شخص الرئيس ثم جرى تفجيرها وتشظية أزمات البلاد في المكونات المختلفة المتعددة نفسها ومن ثم تم تدمير الدولة الوطنية ووقوع البلاد تحت شبح التقسيم والحروب الأهلية. وهو ما جرى استنساخه فيما بعد في جميع دول ثورات الربيع العربي بفكرة تركيز أزمة الدول العربية في أفراد أو أحزاب أو طوائف.
وبمناسبة ذكر «البرقع - النقاب»، فإن أغلب الدول الغربية التي تمنع النساء من ارتداء النقاب ليس لديها موقف أيديولوجي من الدين الإسلامي. ولكن «البرقع - النقاب» في الأعراف الأمنية يغطي هوية من يرتديه. كما أنه يتطلب من المرأة لبس العباءة أو الجلباب الفضفاضين اللذين قد يخفيان أسلحة قد تستخدم في العمليات الإرهابية. لذلك فإن «برقع» الوطنية يمكن أن يخفي وراءه خطاب كراهية قادراً على تفجير السلم الأهلي في أي بلد.
{{ article.visit_count }}
مفهوم خطاب الكراهية من المفاهيم الحديثة التي تبلورت بتزايد القنوات الفضائية وتعدد الجهات الاقتصادية والحزبية المالكة لها، وبانتعاش وسائل التواصل الاجتماعي التي مكنت الأفراد من امتلاك منصات خاصة للتعبير عن الذات والرأي. وارتبط اضطراب مفهوم خطاب الكراهية بإشكالات توصيف الحق في حرية التعبير. فمازال الأفراد والصحافة والحكومات يتصارعون على تحديد مساحات هذا الحق والمواقع المسموح له المرور بها. وكما يستغل الأفراد والصحافة خطاب الكراهية لتصفية خصوماتهم وحصرهم في جماعات وتجمعات، فإن بعض الحكومات أيضاً تستخدم محاربته لتقييد حرية انتقاد الأفراد والأحزاب الموالين لها. وبين هذا الشد والجذب يتعرض كثير من الأفراد لحملات الازدراء والإساءة بالباطل والإضرار بالسمعة والممتلكات الخاصة وأحياناً للإضرار بسلامة الجسد.
ويمكن الاستدلال على سهولة تحول حرية الرأي إلى خطاب كراهية، بل وعجن هذا الخطاب بمكونات جديدة في كل مرحلة ما نراه من تركيز البعض، في وسائل التواصل الاجتماعي، على بث «ثيمات» الكراهية بصورة متوالية ومكثفة وعامة ضد الآخرين. ومن المفارقات العجيبة الغربية أن بعض من يقود خطاب الكراهية اليوم، كانوا يتصدون وبشكل صريح لخطاب الكراهية الموجهة «لجماعتهم» رافضين تعميم أخطاء بعض أفراد الجماعة على الكيان الكلي لها، ومحاربين وسم جماعتهم بسمات سلبية وتعميمها على الجميع. وهو موقف عقلاني صحيح يستحق التضامن والتحالف معه. غير أن العقلانية الحقيقية تستدعي استخدام المسطرة ذاتها للحكم على الآخرين والحديث عنهم.
يقوم خطاب الكراهية، في بعده الانفعالي، على واحدة من أسوأ استراتيجيات تهييج الجماهير، وهي دغدغة غرائزه البدائية المتمثلة في الغضب والكراهية. والتي تؤدي بالأفراد، وبشكل تلقائي، إلى التقوقع في جماعة مغلقة تحافظ على خصوصيتها وتمنع الاندماج بالآخرين وتغذي نفسها بنفسها بأفكارها وتطلب الحماية لأفرادها من أفرادها. وبذلك ينقسم الوطن إلى جماعات وكيانات تتشكل على أساس عرقي أو طائفي أو سياسي. وهو ما يعيق تحقق دولة المواطنة الكاملة التي يتساوى فيها الأفراد، والتي ينادي بها كثير من متزعمي خطاب الكراهية، في واحدة من أغرب تناقضاتهم!
وفي أغلب حالات تصعيد خطاب الكراهية تكون الذريعة الجاهزة والسهلة هي ركوب الموجة الوطنية. بالحديث عن الحفاظ على الهوية الوطنية، ومحاربة الفساد، وتجويد خدمات الدولة. ومن يفقه ألف باء السياسة يعرف أن هذه مجالات تقوم على برنامج عمل سياسي تشريعي واقتصادي واستراتيجي معقد. ولا تُحل بمسرحية الخلطة السرية التي يظهر فيها مروجو خطاب الكراهية بأنهم كشفوا مكوناتهم وبإمكانهم تعديل تركيبتها لتصبح وصفة سحرية ستقلب حال الوطن لينافس النموذج السنغافوري أو الفنلندي.
الخطاب الوطني هو خطاب عقلاني وإنساني رفيع القيم ينم عن امتلاك مشروع ورؤية وفهم لأهم مفاصل الأزمات في الوطن، ووعي بالضغوطات والمحاذير، والقدرة على طرح بدائل واستثمارات لكل مما سبق. أما خطاب الكراهية فهو خطاب انفعالي بدائي لن يخلو أبداً من بذاءة الألفاظ وانحطاط المعاني بل واستهداف أفراد بأعينهم وبأسمائهم وبنشر صورهم. إن هذا المنطق شبيه بواحدة من تكتيكات الثورات الملونة التي مرت على الوطني بمسمى «الربيع العربي» حيث جرى شخصنة أزمات دول في أفراد وأولهم شخص الزعيم. فقد جرى الترويج بأن إسقاط رئيس معين هو إجراء كفيل بتحويل البلاد من دولة ديكتاتورية وبوليسية إلى نموذج ديمقراطي سيدرج في كتب التاريخ والعلوم السياسية.
وحقيقة ما حصل هو «شخصنة» مشكلات الدولة في شخص الرئيس ثم جرى تفجيرها وتشظية أزمات البلاد في المكونات المختلفة المتعددة نفسها ومن ثم تم تدمير الدولة الوطنية ووقوع البلاد تحت شبح التقسيم والحروب الأهلية. وهو ما جرى استنساخه فيما بعد في جميع دول ثورات الربيع العربي بفكرة تركيز أزمة الدول العربية في أفراد أو أحزاب أو طوائف.
وبمناسبة ذكر «البرقع - النقاب»، فإن أغلب الدول الغربية التي تمنع النساء من ارتداء النقاب ليس لديها موقف أيديولوجي من الدين الإسلامي. ولكن «البرقع - النقاب» في الأعراف الأمنية يغطي هوية من يرتديه. كما أنه يتطلب من المرأة لبس العباءة أو الجلباب الفضفاضين اللذين قد يخفيان أسلحة قد تستخدم في العمليات الإرهابية. لذلك فإن «برقع» الوطنية يمكن أن يخفي وراءه خطاب كراهية قادراً على تفجير السلم الأهلي في أي بلد.