أكثر من مرة تحدثت أغلب الدول عبر لسان وزراء المالية والاقتصاد في وسائل الإعلام عن أهمية تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على المصدر الوحيد وهو النفط كإيراد أساسي في ميزانية الدول المنتجة، وقد وضع البنك الدولي معايير قاسية في هذا الجانب في أهمية تنوع تحصيل الإيرادات وجعل الجانب الاقتصادي أهمية وفق النموذج الرأسمالي الغربي.

ومع تعرض المنطقة لأزمة جائحة فيروس كورونا، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن النفط لعب دوراً محورياً في إنقاذ الاقتصادات المحلية، كونه هو السلعة المطلوبة والملحة على الرغم من هبوط أسعارها، غير أن هذا المورد لا يزال يصب في خزائن الدول دون توقف، فاليوم الاقتصاد العالمي الذي يعتمد على الضرائب والشركات المتعددة الجنسيات هو أول من تأثر من هذه الأزمة والدليل إعلان الخسائر في وسائل الإعلام المختلفة وخاصة الشركات الغربية منها.

ما أود أن أصل إليه هو أن دول الخليج العربي المعتمدة على النفط قد كسبت الرهان العالمي في تدارك هذه الجائحة، وأن المنظرين في الجانب الآخر في أن النفط أو كما يقال الذهب الأسود ولى زمانه، هذا هو اليوم يفرض هيبته على العالم، ويؤكد بأنه المورد الأساسي الذي يمكن الاعتماد عليه.

وأن ما لفت انتباهي هي ورقة بحثية نشرت بالموقع الإلكتروني لمركز الخليج لسياسات التنمية للباحث عمر هشام الشهابي بعنوان «انعكاسات كورونا على اقتصاد دول الخليج العربية»، وقد توصلت هذه الورقة البحثية إلى أن «دول الخليج تعتمد بشكل جذري على السوق العالمي ليواصل ضخ اقتصاداتها بإيرادات النفط، وتصبح بهذا إيرادات النفط بمثابة أداة لطوي المكان والزمان بين الاقتصاد المحلي والخارجي، والدولة والقطاع الخاص، وسوق العمل المحلي والخارجي، وهذه القدرة التي توفرها إيرادات النفط من استعمالها لعدة أغراض وفي عدة مساحات على مدد زمنية متعددة هي إحدى الميزات الأساسية في اقتصاد «OELI»».

وبالتالي فإن دول الخليج العربي تمتعت في هذه الأزمة وما تم توفيره من مدخولات نفطية في الصناديق السيادية، قد أسهم بشكل مباشر في تخفيف وطأة جائحة فيروس كورونا لكون تلك الدول لا تعتمد من الأساس على الاقتصاد كمورد أساسي في إيراداتها، ففي ظل هذه الأزمة فإن الاعتماد على الاقتصاد بنسبة كبيرة سيصيب النظام الاقتصادي المحلي بأزمة تحتاج الدولة لكي تتعافى منها لسنوات طويلة، لأنه الإيراد سيصل إلى الرقم «صفر»، والمديونيات ستتضاعف.

النقطة الأساسية التي نحتاج أن نوضحها أن رؤية دول الخليج العربي في الاعتماد على النفط باتت هي الصحيحة، فالسياسات الاقتصادية التي اتخذتها دول مجلس التعاون كانت سباقة وذات حرفية عالية في استغلال النفط لتعزيز الاقتصاد المحلي والانطلاق نحو الانفتاح العالمي، مما أسس قوة اقتصادية ضخمة تحافظ على مكانتها رغم الأزمات التي مرت بها المنطقة.

خلاصة القول، إن جائحة فيروس كورونا كشفت للعالم بأن السياسات التي اتخذتها دول الخليج العربي في الاعتماد على النفط كمورد أساسي والانطلاق منه نحو تنمية اقتصادية مستدامة، جعلت مجلس التعاون في ظل هذه الجائحة أقوى من السابق، فالدول الأوروبية خاصة وأمريكا قد انهار اقتصادها وقد شهدت كارثة بما تحمله الكلمة من معنى بسبب السياسات الرأسمالية الغربية غير مستندة على تحليل تلك المخاطر التي قد تحدث، وكل أزمة تمر على الخليج العربي تؤكد دولنا تفوقها على الدول التي تدعي بأنها عظمى ولكنها أصبحت مترهلة ولا تملك مقومات الدول الحديثة.