اخترت من كتاب «الرجل النبيل» لكاتبه علي الفيفي هذه الفقرة الجميلة: «كان الصحابي الجليل ابن عمر مثلاً للزهد، وللبعد عن الدنيا، ليس في بيته من الدنيا شيء، ولا في قلبه منها شيء، ولا في كلماته منها شيء. أتدري ما السبب؟ اسمع السبب: يقول ابن عمر: أمسك النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم بمنكبي، وقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل». فتحول ابن عمر إلى غريب في هذه الدنيا، وإلى عابر سبيل في أزقة هذه الحياة، تأتيه الخلافة عند باب بيته، فيفتح الباب ويركلها، ثم يغلق الباب بهدوء! لقد نشر الحبيب عليه الصلاة والسلام مبدأ الزهد، والترفع عن الدنيا في قلوب أصحابه، لأنه كان يعلم جيدا أن حب الدنيا هو الباب الأخطر الذي يدخل من خلاله الوهن، وضياع الدين، ونسيان المبادئ؛ لذلك ففي كل يوم من سيرته له كلمة، وفي كل حادثة له موقف، وفي كل منبر له تذكير يقول: «ما الفقر أخشى عليكم، ولكنني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم»».
اليوم وعندما تأكل الأيام والحياة أعمارنا وعندما يصرخ البعض وتتعالى الأصوات ويخاف الناس من الوحش المرعب الذي انسل من بين طوفان الحياة، ويعترف الناس أنهم باقون في منازلهم خوفا على صحتهم، ومن الإصابة بهذا الفيروس الفتاك الذي أودى بحياة الآلاف من البشر.. وعندما ينشغل المرء بهوامش العيش وباعتبارات الأرزاق ويضرب أخماساً بأسداس عله يجد ضالته في خضم الأحداث المتتالية التي لا تعطيك فرصة لالتقاط الأنفاس.. وعندما يتسابق بعض المرموقين، لكي يحجزوا مقاعدهم الأثيرة في مقدمة الركب خوفاً من فقدان مصالحهم بعد زوال غمة كورونا، أو فقدان مناصبهم، على حساب الإخلاص في عمل الخير وتقديم مصلحة الوطن ومصلحة أمنه واستقراره وسلامته وسلامة المواطنين والمقيمين.. وعندما يعجز القلم أن يكتب كل تلك الاعتبارات التي سينفد بعدها مداده ويظل حبيسا لأفكار الغد المجهولة ومستقبل الأيام.. تظل عقولنا عقب كل ذلك قاصرة عن استيعاب ما يحدث.. فتراها تعد الأيام تلو الأيام حتى ينتهي زمن كورونا وتعود المياه إلى مجاريها.. تعد الأيام حتى تزاول حياتها كما كانت وتعود لتلعب أدوارها الحياتية التي كانت بالنسبة لها الحلم الكبير لتحقيق الأحلام.. وفجأة فتحت أبصارها على ذلك الظلام الدامس الذي أسدل الستار على عام 2020 الذي كانت تعتقد يوما ما بأنه عام الإنجاز بالنسبة لها.. كانت ترى الأيام بأنها مجرد تلك الأيام المتشابهة التي لا تمثل لها أي شيء في حياتها.. لأنها كانت غارقة في بحور العيش والسعي إلى كسب أرزاق الحياة فحسب..
اليوم ما عادت تدرك أنها مجرد ضيف وعابر سبيل في هذه الدنيا.. لم تستشعر بعد أن الأيام إنما هي دول، والحياة إنما هي تقلبات، والمسلم عليه أن يثبت من خلالها على مبادئه وقيمه والتي يأتي في مقدمتها تلك المبادىء الإسلامية السامية التي تربينا عليها منذ نعومة أظفارنا، وتلك اللمسات الاجتماعية والوطنية التي رضعناها من آبائنا وأجدادنا قادة وطننا والتي يراها البعض اليوم ـ مع الأسف الشديد ـ هي مجرد كلمات مبعثرة لا أهمية لها في قاموس الحياة؟؟ اليوم نرى أولئك الذين وضعوا أقدامهم على عتبات الدنيا وأغلقوا عيونهم عن خطوات الآخرة.. وانغمسوا بملذات الحياة.. وانشغلوا بـ«كورونا المستجد» الذي أفسد لحظات حياتهم الحلوة وباتوا معها يتضجرون من الحياة ومن أوضاع العيش، وركضوا ليجمعوا قوت يومهم خوفاً من المجهول القادم.. نرى ضعاف النفوس وقد تعلقت قلوبهم بالدنيا.. وهذا ما كان يحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، من أن نتنافس في الدنيا من أجل الدنيا ونعلق قلوبنا بمشاعرها ونتناسى مشاعر الآخرة الباقية.
يا الله ما الذي يحدث.. وفي أي زمان نحن نعيش.. وماذا تخبئه الأيام من أحداث.. في زمان الكورونا اختلف كل شيء، واختلفت معه كل الموازين والمقاييس، لدرجة أنك تشعر بأنك لست بقادر على فعل شيء.. سوى أن تلتزم بباب الرحمن الرحيم واللطيف والشافي والهادي.. تتأمل أسماء الله الحسنى التي تستشعر معانيها العذبة هذه الأيام، وتستشعر بأن زمن كورونا قد أنذرك بقرب رحيلك من هذه البسيطة.. وهو زمن خصه الله للبشرية جمعاء ومقدر في اللوح المحفوظ، ليميز الله الخبيث من الطيب، ويميز الصالحين والقادرين على صنع الخير ونشر المعروف بين الناس، وخدمة المجتمع والانتماء الأصيل لهذا الوطن الذي أعطانا الكثير وما زال.
زمن كورونا هو استشعار بنعمة العبادة والطاعة وتغيير النفس، وإحساس عميق بقيمة النعم التي منحها الله لنا، والتي فتح البعض عينه اليوم فوجدها وقد زالت من حياته واختفت وسط غبار الحياة.. زمن كورونا هو ضربة قاضية لكل من أحس بأن عمره قد انقضى وقد فاته الخير الكثير في حياته ولم يقتنص تلك الفرصة السانحة في أيام الرخاء للتقرب إلى ربه.. بعمرة أو حج أو صدقة أو زكاة أو بذل للمعروف أو صلة للأرحام أو تطوع من أجل الوطن.. لأنه لا يعرف هل ستأتيه الفرصة فيما بعد زوال غمة كورونا.. أم سيكون الأمر على خلاف ذلك!!
جائحة كورونا يجب أن تكون مبعث خير لكل من عرف كيف يسقي قلبه بماء الإيمان والطمأنينة، ويجدر أن تجعلها قصة حياة تحكيها لأبنائك وأحفادك ولكل الأجيال، فمؤلم أن تمضي هذه الجائحة بلا اتعاظ، ومؤلم أن نغلق علينا أبواب البيوت دون أن نحس بأن أعمارنا تمضي وآجالنا تقترب وقلوبنا الخاوية ما زالت تحتاج إلى أن نرويها بماء السعادة والقرب إلى الله.. رمضان على الأبواب.. فاجعله أجمل لحظات حياتك، ولا تتعذر «بزمن كورونا» فرمضان يزورنا في العام مرة.. وسل الله أن يبلغك هذا الشهر، ولعل دعوة صالحة من دعوات أحد الصالحين في شهر الخير تكون سببا في زوال هذا الوباء ورفعه عن العالمين.. فاجعل لك قصة جميلة في رمضان.. وإن لم تفتح المساجد.. فاجعلها أجمل قصة مع أهل بيتك.. تصنع فيه الفرح والسعادة، وتزرع السكينة والطمأنينة، وتقف بين يدي الله في بيتك تسأله الرحمات والمغفرة، لتنعم مع أهل بيتك بذكر الله لك، وبالملائكة الطوافون الذين يلتمسون حلق الذكر.. فيكون بيتك حينها أجمل حلقة رمضانية يذكرك فيها المولى في عليين..
* ومضة أمل:
اللهم بلغنا شهر الخير والبركات غير فاقدين ولا مفقودين، وأنعم علينا بالصحة والعافية، وأحسن خاتمتنا في طاعتك يا رب العالمين.
{{ article.visit_count }}
اليوم وعندما تأكل الأيام والحياة أعمارنا وعندما يصرخ البعض وتتعالى الأصوات ويخاف الناس من الوحش المرعب الذي انسل من بين طوفان الحياة، ويعترف الناس أنهم باقون في منازلهم خوفا على صحتهم، ومن الإصابة بهذا الفيروس الفتاك الذي أودى بحياة الآلاف من البشر.. وعندما ينشغل المرء بهوامش العيش وباعتبارات الأرزاق ويضرب أخماساً بأسداس عله يجد ضالته في خضم الأحداث المتتالية التي لا تعطيك فرصة لالتقاط الأنفاس.. وعندما يتسابق بعض المرموقين، لكي يحجزوا مقاعدهم الأثيرة في مقدمة الركب خوفاً من فقدان مصالحهم بعد زوال غمة كورونا، أو فقدان مناصبهم، على حساب الإخلاص في عمل الخير وتقديم مصلحة الوطن ومصلحة أمنه واستقراره وسلامته وسلامة المواطنين والمقيمين.. وعندما يعجز القلم أن يكتب كل تلك الاعتبارات التي سينفد بعدها مداده ويظل حبيسا لأفكار الغد المجهولة ومستقبل الأيام.. تظل عقولنا عقب كل ذلك قاصرة عن استيعاب ما يحدث.. فتراها تعد الأيام تلو الأيام حتى ينتهي زمن كورونا وتعود المياه إلى مجاريها.. تعد الأيام حتى تزاول حياتها كما كانت وتعود لتلعب أدوارها الحياتية التي كانت بالنسبة لها الحلم الكبير لتحقيق الأحلام.. وفجأة فتحت أبصارها على ذلك الظلام الدامس الذي أسدل الستار على عام 2020 الذي كانت تعتقد يوما ما بأنه عام الإنجاز بالنسبة لها.. كانت ترى الأيام بأنها مجرد تلك الأيام المتشابهة التي لا تمثل لها أي شيء في حياتها.. لأنها كانت غارقة في بحور العيش والسعي إلى كسب أرزاق الحياة فحسب..
اليوم ما عادت تدرك أنها مجرد ضيف وعابر سبيل في هذه الدنيا.. لم تستشعر بعد أن الأيام إنما هي دول، والحياة إنما هي تقلبات، والمسلم عليه أن يثبت من خلالها على مبادئه وقيمه والتي يأتي في مقدمتها تلك المبادىء الإسلامية السامية التي تربينا عليها منذ نعومة أظفارنا، وتلك اللمسات الاجتماعية والوطنية التي رضعناها من آبائنا وأجدادنا قادة وطننا والتي يراها البعض اليوم ـ مع الأسف الشديد ـ هي مجرد كلمات مبعثرة لا أهمية لها في قاموس الحياة؟؟ اليوم نرى أولئك الذين وضعوا أقدامهم على عتبات الدنيا وأغلقوا عيونهم عن خطوات الآخرة.. وانغمسوا بملذات الحياة.. وانشغلوا بـ«كورونا المستجد» الذي أفسد لحظات حياتهم الحلوة وباتوا معها يتضجرون من الحياة ومن أوضاع العيش، وركضوا ليجمعوا قوت يومهم خوفاً من المجهول القادم.. نرى ضعاف النفوس وقد تعلقت قلوبهم بالدنيا.. وهذا ما كان يحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، من أن نتنافس في الدنيا من أجل الدنيا ونعلق قلوبنا بمشاعرها ونتناسى مشاعر الآخرة الباقية.
يا الله ما الذي يحدث.. وفي أي زمان نحن نعيش.. وماذا تخبئه الأيام من أحداث.. في زمان الكورونا اختلف كل شيء، واختلفت معه كل الموازين والمقاييس، لدرجة أنك تشعر بأنك لست بقادر على فعل شيء.. سوى أن تلتزم بباب الرحمن الرحيم واللطيف والشافي والهادي.. تتأمل أسماء الله الحسنى التي تستشعر معانيها العذبة هذه الأيام، وتستشعر بأن زمن كورونا قد أنذرك بقرب رحيلك من هذه البسيطة.. وهو زمن خصه الله للبشرية جمعاء ومقدر في اللوح المحفوظ، ليميز الله الخبيث من الطيب، ويميز الصالحين والقادرين على صنع الخير ونشر المعروف بين الناس، وخدمة المجتمع والانتماء الأصيل لهذا الوطن الذي أعطانا الكثير وما زال.
زمن كورونا هو استشعار بنعمة العبادة والطاعة وتغيير النفس، وإحساس عميق بقيمة النعم التي منحها الله لنا، والتي فتح البعض عينه اليوم فوجدها وقد زالت من حياته واختفت وسط غبار الحياة.. زمن كورونا هو ضربة قاضية لكل من أحس بأن عمره قد انقضى وقد فاته الخير الكثير في حياته ولم يقتنص تلك الفرصة السانحة في أيام الرخاء للتقرب إلى ربه.. بعمرة أو حج أو صدقة أو زكاة أو بذل للمعروف أو صلة للأرحام أو تطوع من أجل الوطن.. لأنه لا يعرف هل ستأتيه الفرصة فيما بعد زوال غمة كورونا.. أم سيكون الأمر على خلاف ذلك!!
جائحة كورونا يجب أن تكون مبعث خير لكل من عرف كيف يسقي قلبه بماء الإيمان والطمأنينة، ويجدر أن تجعلها قصة حياة تحكيها لأبنائك وأحفادك ولكل الأجيال، فمؤلم أن تمضي هذه الجائحة بلا اتعاظ، ومؤلم أن نغلق علينا أبواب البيوت دون أن نحس بأن أعمارنا تمضي وآجالنا تقترب وقلوبنا الخاوية ما زالت تحتاج إلى أن نرويها بماء السعادة والقرب إلى الله.. رمضان على الأبواب.. فاجعله أجمل لحظات حياتك، ولا تتعذر «بزمن كورونا» فرمضان يزورنا في العام مرة.. وسل الله أن يبلغك هذا الشهر، ولعل دعوة صالحة من دعوات أحد الصالحين في شهر الخير تكون سببا في زوال هذا الوباء ورفعه عن العالمين.. فاجعل لك قصة جميلة في رمضان.. وإن لم تفتح المساجد.. فاجعلها أجمل قصة مع أهل بيتك.. تصنع فيه الفرح والسعادة، وتزرع السكينة والطمأنينة، وتقف بين يدي الله في بيتك تسأله الرحمات والمغفرة، لتنعم مع أهل بيتك بذكر الله لك، وبالملائكة الطوافون الذين يلتمسون حلق الذكر.. فيكون بيتك حينها أجمل حلقة رمضانية يذكرك فيها المولى في عليين..
* ومضة أمل:
اللهم بلغنا شهر الخير والبركات غير فاقدين ولا مفقودين، وأنعم علينا بالصحة والعافية، وأحسن خاتمتنا في طاعتك يا رب العالمين.