في حوار مع أحد الأطباء المخضرمين الذي تجاوز الأربعين سنة في عالم الطب والأبدان، عاصر خلالها النقلات النوعية في القطاع الصحي البحريني من بداياتها انطلاقاً من العيادات الصغيرة حتى افتتاح مجمع السلمانية الطبي، عايش خلال هذه التجربة الفريدة من نوعها التغيرات الوظيفية والتغيرات الفنية والتغيرات في التركيبة السكانية، فلم يعد المرضى مقتصرين على أهل المنطقة فقط بل ازداد عدد السكان وبدأت الجموع بالتوافد للبحرين كونها جهة يسهل فيها العيش وتتوفر فيها متطلبات العيش الكريم من ناحية الرزق والاستقرار الاجتماعي.

تغير الطب وتطور وكذلك تغير الأطباء، فجيل بعد جيل عكفت الحكومة البحرينية على الاستثمار في الشباب البحريني وأشرف الدكتور علي فخرو منذ البداية على ابتعاث الشباب والشابات وتغير فكرتهم تجاه الطب، فلم يقتصر ابتعاث الدولة على الطب البدني فقط، بل ركز الدكتور علي فخرو على توجيه المبتعثين نحو تخصصات دقيقة في الطب وما حول الطب مثل الأجهزة الدقيقة والأشعة وغيرها حتى أصبحت الترسانة الصحية البحرينية هي الأفضل في المنطقة، ومن كمية الذهول لهذه القفزة الصحية يقول أحد المؤرخين «لقد قفز الدكتور علي فخرو بالمنظومة الصحية بدعم الدولة عشرين سنة للأمام خلال فترة وجيزة».

مع تطور الزمن وتقدم الرعيل الأول من الأطباء الطيبين في العمر وتقاعد الكثير منهم، توالت الأجيال واستمرت المنظومة الصحية بالعمل، ليس بنفس الكفاءة ولكن بما هو مطلوب، حتى وصلنا إلى جيل من «بعض» الأطباء لكي نلغي التعميم، مادي بشكل كبير، فهمه الأول المادة بعيداً عن الطب وأخلاقياته وأخلاقيات ممارسته، فبعض المستشفيات الخاصة الحديثة كذلك، تعامل المريض على أنه صراف آلي متنقل أو خزينة يستنقفدونها قدر الإمكان، وإن كان لديك تأمين صحي فستجد أن كل التحاليل التي لا تحتاجها أصلاً موجودة في في الفاتورة التي سيتكفل بها التأمين وسيزيد من إيراد هذا المستشفى.

في زيارة لأحد أطباء زمن الطيبين دفعت ثمن الاستشارة وأعطاني الدكتور كل الوقت الذي أحتاجه، انتهيت منه وانتهى من تشخيصي مع بضعة تحاليل، حتى وصف لي ما أحتاجه من علاجات، ثم ودعني وأعطاني موعداً بعد أسبوعين لأقابله مرة أخرى، فحادثتني نفسي لسوء الظن حتى قلت يريدني أن ازوره لكي أدفع ثمن الاستشارة، فإن تحسنت حالتي فلن أحضر هذا الموعد وسألغيه.

بعد أسبوعين وقبل الموعد بسويعات تخاطبني الممرضة لتؤكد موعدي، ومع عدم شعوري بالراحة أكدت على الموعد وذهبت لرؤية الطبيب حتى وصفت له شعوري ليقرر استبدال بعض العلاجات مع أخرى، ومع خروجي وتوجهي لمكتب الدفع تخبرني الممرضة بأنها مدفوعة من ضمن الاستشارة الأولى، فالنظام هو أن الطبيب يعطي العلاج وبعد فترة العلاج يراك ليتأكد من سلامة علاجه وسلامة صحتك!!

كنت متفاجئاً لأن اعتدت الدفع في كل زيارة لأي طبيب، والذين يتعمد بعضهم بالمماطلة ووضع خطة علاج بطيئة ليمارس عمل المنشار «طالع ماكل ونازل ماكل»!!

* باحث ماجستير - الجامعة الأهلية