ماذا يعني أن تحمل بين يديك شهادة المدرسة الثانوية؟ وماذا يعني أن تكون جامعياً حاملاً لشهادة البكالوريوس؟ نعيش اليوم في زمان لا تعد فيه هذه الأوراق إنجازاً ملموساً، بل هي متطلب رئيسي من متطلبات الحياة، فقيمة الشهادة اليوم ليست كقيمتها وأهميتها في عصر آبائنا وأجدادنا، حيث كانت عملة نادرة، وكان من يحمل هذه الشهادة يركل أي أبواب النجاح ويقتحم أي عالم يريد ليسجل نجاحه باجتهاده وحصوله على ما يستطيع مجاراته فيه أقرانه.

تطور الزمن وازدادت صعوبة الحياة واشتدت المنافسة فيها، فلم تعد الشهادة الأكاديمية كافية في ظل تطورات عصرنا الحالي وقلة فرصه مقارنة بالماضي، ولذلك يجب علينا أن ندرك اليوم أن الفرص لن تأتي بسهولة، بل يجب علينا أن نسعى في صنع هذه الفرص، والاجتهاد بالتطوير الدائم للذات والمهارات الشخصية؛ فهي مربط الفرس والعلامة الفارقة بينك وبين أي حامل للشهادة الأكاديمية التي يحملها اليوم ملايين مثلك وربما يملكون مؤهلات أعلى منك، فلا تظن أنك حققت إنجازاً حقيقياً استثنائياً بحصولك على هذه الورقة!!

العمل على تطوير الذات والمهارات الشخصية بالتوازي مع الجانب الأكاديمي يعد من أهم وأقوى أدوات النجاح في سوق العمل الصعب وشديد المنافسة؛ فالتعلم خارج نطاق الشهادة الجامعية والحرم الجامعي من خلال تنمية القدرات الشخصية كفن الإقناع ودراسة الذكاء العاطفي، والتعلم على استخدام أدوات العصر الحديثة وعملية التسويق للذات خلال المقابلات أو من خلال الحضور في الساحة الإعلامية في التواصل الاجتماعي.

الرسالة هنا لطلبة الجامعة الذين يظنون أن الطريق مفروش بالورود والوظيفة بالانتظار، غير مدركين للواقع الذي يعيشه العالم وطوابير الانتظار ونسب البطالة، ففي دراسة لجامعة «يل» فإن 65% من الأطفال الملتحقين بالتعليم الابتدائي حالياً سيشغلون لدى انتهاء تعليمهم «سواء المرحلة الثانوية أو الجامعية» وظائف يقومون من خلالها بأعمال «غير موجودة» اليوم.

وأكدت الدراسة أن 15% فقط من العاملين حالياً يشغلون وظائف لم تكن موجودة لدى دخولهم المرحلة الابتدائية، ما يعطينا المؤشرات الدالة على التغير الكبير في الاقتصاد وطبيعة الوظائف، فعلى سبيل المثال أعلنت شركات «أبل» و«جوجل» و«آي.بي.إم» في الأشهر الماضية أن العمل لديها في مناصب تقنية وإدارية لم يعد يتطلب بالضرورة الحصول على شهادة جامعية ليكونوا من بين قائمة شملت أكبر 15 شركة في أمريكا غيرت سياساتها التوظيفية مؤخراً نحو الاهتمام بالمهارات على حساب الشهادات.

بل كشف بيان لموقع «أب وورك» (upwork) المتخصص في العمل الحر (Freelance)على الإنترنت عن أن أعلى 20 وظيفة طلباً على الموقع، مثل كتابة المحتوى وتصميم البرامج وأعمال الجرافيك والترجمة، لا تتطلب بالأساس شهادة محددة بل تقوم على مهارات شخصية يحملها المتقدم للعمل.

ووفقاً لموقع «لينكد إن» فإن هناك 5 مهارات «ناعمة» (أو شخصية) هي الأكثر أهمية في عام 2019 للحصول على الوظائف: إدارة الوقت، والاعتمادية، والتعاون والتنسيق، والإقناع، والروح الخلاقة، وفي المقابل هناك 5 مهارات عملية ستكون الأكثر طلباً في 2019 وتشمل: «كلاود كومبيتينج» (شبكات وقياس رد فعل العميل)، والذكاء الاصطناعي، والتحليل المنطقي (ويشمل حل المشكلات واتخاذ القرار واستراتيجيات العمل)، وإدارة الجمهور (وتشمل التحفيز وحل الصراعات في العمل) والتصميم والجرافيك.

ولذلك يا صديقي احصل على شهادتك ولكن لا تنسَ أن تنمي مهاراتك وموهبتك وابحث عن الإضافة في حياتك لتكون هي العنصر الفارق عند دخولك في زحمة التوظيف وسوق العمل!