في الوقت الذي شددنا بقوة على يد أعضاء البرلمان الدافعين بقوة لتطبيق «قانون الأسرة» بعد أن تعطل لسنوات في شقه الجعفري، بسبب «التعمد» من قبل «سارقي» إرادات البشر باسم الدين، نقف اليوم لنقول لهم بأن منح الجنسية لأبناء المواطنة البحرينية، حق يتسق تماماً مع مفهوم الدفع بتطبيق قانون الأسرة، فالاثنان منظمان للأسرة وحاميان لها.

وعليه فإن خيراً ما فعلت الأستاذة هالة الأنصاري أمين عام المجلس الأعلى للمرأة، في وقوفها مع المرأة البحرينية وبدفاع قوي رداً على موقف لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني التي رفضت إعطاء المرأة البحرينية المتزوجة من غير بحريني الحق في منح أبنائها جنسيتها.

لم تتحدث أمين عام مجلس المرأة من فراغ، بل من منطلق واقع تعايشه من خلال القضايا العديدة التي تصل لمجلس المرأة، والتي فيها من معاناة المرأة وأبنائها الكثير، خاصة من يقعون ضمن التصنيف الأخير، والذي ظننا أن الحراك البرلماني سيتسق أخيراً مع الجهود الكبيرة التي يبذلها مجلس المرأة بقيادة الأميرة سبيكة حفظها الله لتحقيق مزيد من المكاسب للمرأة البحرينية، وقبلها ضمان حقوقها، لكن الظن جاء مخيباً.

ندرك تماماً أن تبعية الأبناء في جنسيتهم تكون للأب في أغلب الدول، لكن هناك دول من منطلق الحرص على الأبناء تمنح الحق للمرأة أيضاً في منح جنسيتها لأبنائها، خاصة إن كانت تعيش في نفس بلدها، أو إن كانت هي المعيلة لهم، أو أرملة، وغيرها من الحالات، وكل ذلك يأتي من منطلقات «إنسانية» وسعي لتسهيل الأمور عليها.

ما حصل من رفض لا يتسق مع التطور التشريعي الحاصل في البحرين، مثلما قالت الأستاذة الأنصاري، إذ نحن نسعى لنرتقي بالتشريعات التي تخدم «المواطن»، وركزوا على كلمة «مواطن» التي لم تميز بين ذكر وأنثى هنا، خاصة وأن المسألة لا تخالف شرع الله، بل تصب في نفس اتجاه الدعوة لصون المرأة والحفاظ على حقوقها.

المسألة ليست إطلاق الأمور هكذا بلا ضوابط، بل العملية تتطلب مراعاة الجوانب الإنسانية مع ضرورة دراسة الحالات، واعتماد ضوابط مقننة بحيث تحرص على ألا يتضرر أبناء البحرينية، ويصلوا لمرحلة الإحساس بأنهم أغراب في أوطانهم والبلد الذي يولدون فيه.

أناس كثيرون كانوا يسافرون لدول أوروبية وغيرها لينجبوا أولادهم هناك حتى يكون لهم الحق في الحصول على الجنسية من تلك البلد، وكثير منهم حصلوا عليها، حتى عدلت بعض الدول قوانينها، بالتالي مفارقة تكون ألا يتحصل الطفل الذي ولد في البحرين وكبر وترعرع وعاش فيها ودخل مدارسها وتعالج في مستشفياتها، ألا يتحصل على الجنسية التي تحملها أمه فقط لأن والده ليس بحريني الجنسية!

على مدى السنوات العشر الماضية نجح المجلس الأعلى للمرأة في التفريج عن هم كثير من الأمهات البحرينيات، من خلال دراسة طلبات الجنسية المقدمة بشكل معمق قبل رفعها لمقام جلالة الملك حفظه الله، وقد استفاد منها قرابة 4 آلاف ابن وابنة، وهذا إنجاز يحسب، ويقودنا للمطالبة بألا نتسرع في سن قوانين بدل أن تخدم الناس، تعطل حياتهم وتعيقها.

مع احترامي للجميع، حتى لو تم تقديم أية مبررات، أياً كانت، وحتى لو قيل بأن الخدمات فيها من المساواة وغيرها من أمور، مع التذكير بأن أهم الخدمات وهي الحق في الإسكان غير مشمول، أقول حتى لو قيل بذلك فإن الفارق الأصيل هنا يبقى بأن متمثلاً بشرف حمل الجنسية البحرينية لمن هو بحريني ولد من بطن بحرينية وعلى تراب البحرين، وكبر وعاش فيها، هذا هو الفارق، الذي أمامه لا يمكن استيعاب أي تبرير، أو تخفيف للمسألة.

بودي لو تنشر جميع حالات المعاناة التي تمر بها البحرينيات المتزوجات من أجانب فيما يتعلق بأوضاع أبنائهم، بودي نشرها بالتفاصيل، أو أقلها أن تسرد حالة حالة على السادة البرلمانيين، وأن يقابلوا المتضررين، ويدخلوا بيوتهم ويروا كيف يعامل هؤلاء الأبناء في مجتمع من شعاراته المساواة وحفظ الحقوق، ادخلوا حياة هؤلاء الناس، وبعدها أخبرونا إن كنتم تقبلون بأن يعيش «بحريني» غريباً في بلده، دون شرف حمل جنسيتها؟!

فقط أتساءل، ما ذنب المرأة البحرينية في هذه الحالة؟! هل لمجرد زواجها من غير بحريني، تسقط أية حقوق لأبنائها كمواطنين ويتحولون لأجانب في بلادهم؟!

قليلاً من التروي، ومقداراً كاملاً من الإنسانية نطلبه هنا، فهؤلاء هم أجيال البحرين الشابة، الذين ينبغي أن يكبروا على حب البلد والانتماء له، هم يريدون هذا الانتماء، فلماذا نمنعه عنهم؟!