لست بناقدة، وأجهل الأساليب العلمية والمنهجية للنقد الفني. ولكني مشاهدة، ولي رأي فيما يتم إثارته في الدراما الخليجية.

عندما درست الإعلام ونظرياته المتعددة آمنت بنظرية الرصاصة التي وضعها عالم الاجتماع الأمريكي هارولد لاسويل، والتي تقوم على فكرة إمكانية غرس فكرة معينة في شعب من المتلقين الإيجابيين والعفويين من خلال الإعلام المكثف حولها، بشكل يشبه إطلاق رصاصات «سحرية» من وسيلة الإعلام إلى المتلقين فتكون فاعلة ويتم الاستجابة للرسالة الإعلامية المرسلة.

وظلت هذه النظرية تراودني وأنا أشاهد بعضاً من المسلسلات الخليجية التي تعرض على مختلف الشاشات التلفزيونية خلال شهر رمضان الفضيل.

مسلسلات تحمل مضامين خطيرة، مضامين لا أعتقد بأنها تنتمي إلى مجتمعاتنا الخليجية، أعرف أن مجتمعاتنا الخليجية هي ليست مجتمعات «أفلاطون» الخالية من الأخطاء، ولكننا نحظى بمجتمعات لها أعرافها الواضحة، ولها قيم سائدة وراسخة.

ولكني للأسف لا أستطيع تمرير بعض التصرفات التي تعرض في المسلسلات باعتبارها جزءاً طبيعياً من المجتمع الخليجي، مواعيد غرامية بعلم الأهل، وخطوبة بدون عقد!! خيانة وزنا عيني عينك !! تفكك أسري!! عنف لفظي وجسدي!! استخدام ألفاظ خادشة للحياء!! بلطجة!! إجرام!! هل هذا يحدث بصورة طبيعية في مجتمعنا الخليجي!!

أكرر وأؤكد كل ما سبق قد يوجد في المجتمع الخليجي لكنه ليس ظاهرة، هي حالات فردية يتفاعل معها المجتمع وينبذها!! وتصويرها كظواهر تجعل المتلقي يعتقد بأن الدراما تعكس مجتمعاتنا الخليجية.

ما زلت أذكر حواراً دار بيني وبين مجموعة من الإعلاميات في إحدى الدول العربية، حيث سألتني إحداهن عن ترتيبي بين الزوجات، وعندما استغربت سؤالها. أكدت لي بأنها بنت فرضيتها وسؤالها من خلال ما تشاهده في المسلسلات الخليجية وقالت لي إن الدراما الخليجية تظهر أن الرجل الخليجي «مزواج» ويعدد في الزواجات!! وتظهره أيضاً بأنه رجل قاسٍ مع زوجاته، ولديه عشيقة عادة ما تكون سكرتيرة مكتبه الخاص!!

للأمانة، لم أزعل من سؤالها بعد تبريرها بأنه بنته على ما تشاهده من خلال الدراما الخليجية التي من الواجب أن تعكس واقع المجتمعي الخليجي.

ولكي لا يفهم المنتجون والفنانون كلامي بشكل خاطئ، فإنني أؤكد بأنني لست مع أن ندفن رؤوسنا في التراب ونبرئ مجتمعاتنا من بعض الحالات الفردية الشاذة فيه، ولكني أؤمن بأن فن الكتابة للدراما يجب أن يرتكز على إظهار الفعل السيء على أنه حالات فردية غير مرغوبة في المجتمع. وتوضح للمشاهد خطورة الإتيان بهذا الفعل المشين، فأنا ما زلت أهاب «الإدمان» نظراً لتعرضي لأفلام أبرزت لي مخاطر الإدمان، ولكن اليوم الموضوع تغير حيث أصبح «المدمن» في الدراما شخص «كشخة» يضبط مزاجه بالمخدرات ولا يموت في آخر المشهد!! وأصبحت البنت التي تحب شخصاً وتواعده بعلم أهلها ويتركها في نصف الرحلة «ضحية»، وأصبحت المراهقة التي «تواعد» ولد الجيران، ويجلب لها مختلف أنواع الهدايا تملك شعبية واسعة بين المراهقات!!

مجتمعنا الخليجي له خصوصية، وله أعراف واضحة لا لبس فيها، هو مجتمع متحضر متعلم، متوازن، فأين هذا من الدراما الخليجية التي ضربت بأعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا عرض الحائط، وأفرزت لنا أعمالاً درامية «لا تمثلنا»، ولا تعكس واقعنا الفعلي؟!