"البورصة العربية" و"المحكمة العربية الحقوقية" خير مثال



محمد الرشيدات

البحرين ومنذ الأزل تتبنى أفكاراً ومبادىء عروبية تجعلها من بين أوائل الدول الحريصة على تفعيل أوجه التعاون العربي المشترك، فتراها تُطلق العديد من المبادرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والبيئية وحتى الثقافية خلال مختلف المنصات العربية والدولية التي يكون لها تأثير فاعل حين مشاركتها فيها، وعلى رأسها "البورصة العربية" و"المحكمة العربية الحقوقية" اللتين باتتا بين مبادرات بحرينية محط اهتمام عالمي.
ولطالما انصبّت وتركزت مبادرات البحرين على تنمية الواقع العربي برمّته والنهوض بحال شعوب المنطقة كافّة، مبديةً استعدادها على الدوام في احتضان مختلف المؤسسات والهيئات تحت سمائها من خارج البحرين، ودعم أخرى متواجدة في قُطرٍ عربي آخر.
وباتصال وثيق مع ما ذُكِر، ومن باب تقريب النظرة على إحدى تلك المبادرات، جاءت فكرة احتضان المقرّ الرئيسي لمشروع البورصة العربية المشتركة من على أرض المنامة كمبادرة ملكية أعلن عنها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظّم ليتم الإفصاح عن إطارها خلال منتدى القطاع الخاص العربي التحضيري للدورة الثالثة للقمّة الاقتصادية العربية التي أُقيمت في الرياض عام 2013 لتصبح أول سوق رأس مال عربية مشتركة على شكل شركة مساهمة مقفلة يتولّى قيادتها القطاع الخاص بحجم استثمارات تطوف حاجز الـ3 تريليونات دولار.
إلى جانب ذلك، فقد تم تحديد مصرف البحرين المركزي كجهة رقابية للبورصة العربية المشتركة، التي تضمُ عدة بورصات مستقلة تغطي عملياتها كامل رقعة الوطن العربي، ناهيك على أن البورصة العربية تتكفّل بإعداد دراسات مسانِدة للحكومات العربية لوضع استراتيجيات تنموية تعزز الاستفادة القصوى من المزايا النسبية في كل دولة عربية وتحويلها الى فرص استثمار حقيقية، حيث تستهدف البورصة العربية المشتركة 20 قطاعاً اقتصادياً متخصصاً، ما من شأنه دعم البرامج التنموية لتلك الحكومات كالمدن الصناعية والاقتصادية، لتكون البورصة بمثابة قناة تتدفق منها رؤوس الأموال العربية والأجنبية وتعزيز المنافسة بين الشركات العربية لتضاهي شبيهاتها في الدول الغربية.
وهكذا بات قيام البورصة العربية المشتركة خطوة طموحة تلامس مبتغيات القطاع الخاص وأهدافه العديدة، بالشكل الذي يعود بالنفع على رفع مستوى معيشة المواطن العربي بالدرجة الأولى، عن طريق زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وإحداث تنويع مبرمج للمصادر المالية والتجارية، بالشكل الذي يُولِّدُ اقتصاداً منتجاً قائماً على قاعدة رصينة من المال والأعمال تلازمها التكنولوجيا المتطورة من كل جانب.
ولم يتوقف التميز البحريني عند هذا الحد، بل تعداه إلى اختيار المنامة مقراً للمحكمة العربية لحقوق الإنسان من قبل مجلس جامعة الدول العربية، وذلك لم يأت بمحض الصدفة ولا كان مجاملة بروتوكولية، بل استناداً على تاريخ المملكة الحافل الضامّ لسجل حقوقي رفيع لا تشوبه شائبة، تثميناً واستجابة تليق بالاقتراح الملكي السامي الذي قدّمه صاحب الجلالة عاهل البلاد المعظّم بإنشاء المحكمة واحتضان مركزها خلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الرابعة والعشرين الذي عُقِدَ في العاصمة القطرية الدوحة عام 2013، وفي ذلك تعبيرٌ لدور المملكة في مجال حقوق الإنسان وأدائها الراقي في حفظ الحقوق والحريات والموازنة بين حق الفرد وحق المجتمع.
إجماع عربي وإشادة حظي بها الاقتراح الملكي السامي، فالمحكمة العربية لحقوق الإنسان بوصفها هيئة قضائية عربية مستقلة تهدف إلى تعزيز رغبة الدول الأطراف في تنفيذ التزاماتها فيما يتعلـق بحقـوق الإنسان وحرياته، جاءت لتنشأ في إطار جامعة الدول العربية، لتذود عن كرامة الإنسان العربي والدفاع عن حقوقه، وتحقيقاً للعدل والمساواة، وسيادة القانون، بالشكل الذي يتناغم مع مقاصد وأهداف ميثاق جامعة الدول العربية المعزّز لحماية حقوق الإنسان ونيل حرّية عيشه على الوجه الأكمل، وتأكيداً على أن الاتفاقيات العربية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تكون الدولة المعنية طرفاً فيها بما فيها الميثاق العربي لحقوق الإنسان، تمثل إطاراً قانونياً لتمتع الإنسان في الدول العربية بحقوقه وممارستها، ناهيك عن مواصلة الجهود المحقّقة لجزئية العدل وإقامة أعمدته لكونه يمثّل حجر الزاوية لإقرار السلام.
وعلى ذات الصعيد، فإن المحكمة العربية لحقوق الإنسان تُعنى بجميع الدعاوى والنزاعات الناشئة عن تطبيق و تفسير الميثاق العربـي لحقوق الإنسان أو أي اتفاقية عربية أخرى في مجال حقوق الإنـسان تكـون الـدول المتنازعة طرفاً فيها، كما أن لها الحق بالفصل في أي نزاع يُثار حول اختصاصها بنظـر الـدعاوى أو الطلبـات أو الحالات التي تنظرها، على أن تمارس ذلك كله ضمن وظيفتين تقليديتين الأولى استشارية والأخرى قضائية، وهي التي تتجسّد في ممارسة الاختصاصين الموضوعي والشخصي.
إن إقرار محكمة إقليمية لحقوق الإنسان يُعد حدثاً فريداً في تاريخ تطور منظومة وترتيبات حقوق الإنسان العالمية، لتضاف إلى سلسلة هيئات قامت بلوائحها التنظيمية، بدءاً من إنشاء المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في عام 1959م في باريس، ثم المحكمة الأمريكية عام 1980م بمدينة سان جوزيه في كوستاريكا، فاللجنة الآسيوية لحقوق الإنسان، ثم المحكمة الأفريقية عام 2004م بمدينة أروشا الكينية.
وبالعودة سريعاً إلى أحقية البحرين في استضافة مقر المحكمة العربية لحقوق الإنسان، فقد شهدت المملكة خلال السنوات العشر الأخيرة وزيادة من تاريخها تطورات كبيرة في مجال حقوق الإنسان، كما قطعت خطوات طويلة في مجال احترام تلك الحقوق والتأكيد على أهميتها ومحوريتها، تزامنت مع انطلاق مسيرة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك في مطلع الألفية الثالثة الذي بدأ بميثاق عمل وطني وتعديلات دستورية راعت الحرية والانفتاح واحترام حقوق الإنسان ووضعتها على رأس قوامها الأساس.