على وقع أزمة سياسية "خانقة"، يحيي العراق الذكرى الـ90 لاستقلاله وسط آمال بأن تكون المناسبة أساسا لإعادة ضبط البوصلة وتصفير الأزمات.

وفيما يحتفي العراق في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، بالذكرى الـ90 لاستقلاله وتحرره من براثن الاستعمار البريطاني، يأمل البلد الغني بالنفط، أن يستلهم روح هذه الذكرى لإحداث تغيير في مساره، يمكنه من التخلص من واقعه واستشراف مستقبل لأجياله.



فماذا نعرف عن الذكرى الـ90؟

يمثل ذلك التاريخ من عام 1932، نقطة تحول في تاريخ العراق، والذي انتقل فيها من إقليم خاضع للانتداب إلى دولة مستقلة، توجت بالانضمام إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد استكمالها جميع المقومات المطلوبة، بحسب وثائق أرشيفية ذيلت بتوقيع جنيف.

وتشير تلك الوثائق إلى أنه "إذ وافقت الجمعيّة العامّة لعصبة الأمم يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 1932، على قبول العراق عضواً في عصبة الأمم بناءً على طلب الانضمام المُقدم من المملكة العراقيَّة بتوقيع رئيس الوزراء الأسبق نوري باشا السعيد، ليصبح العراق أول دولة عربيَّة تنضم إلى هذه المُنظمة الدوليَّة آنذاك".

وثائق الجمعيّة العامّة لعصبة الأمم تشير إلى أنَّ "قبول انضمام العراق إليها جاء بعد أن اكتسب مُقومات الدولة والتي تتمثل بالاعتراف الدوليّ، ووجود حكومة مُستقلة قادرة على أن تسير أمور الدولة وإدارتها بصورة مُنتظمة وحفظ وحدتها واستقلالها وحفظ الأمن في كل انحائها، وللدولة مصادر مالية كافية لسد نفقاتها الحكوميّة ولديها قوانيّن وتنظيم قضائيّ وحدود ثابتة وتعهد العراق باحترام التزاماته الدوليَّة".

وبحسب الوثاق، فإن العراق كان أول دولة انضمت إلى عصبة الأمم بمُوجب المادة (22) من عهد عصبة الأمم الخاصة بالولاية والانتداب، بعد أن أصبح مؤهلاً للخروج من حالة الانتداب البريطاني التي وضع فيها بعد انهيار الدولة العثمانيّة.

هل أعلنت المناسبة عيدًا وطنيًا؟

كانت حكومة مصطفى الكاظمي، قررت في مايو/أيار 2020، اعتبار الثالث من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام عيداً وطنياً للعراق، بعد إعداد مشروع قانون خاص بذلك الشأن يكون منفصلا ومستقلا عن القانون الخاص بالعُطل الرسمية، قدمته فيما بعد إلى مجلس النواب الذي لم يقره حتى الآن.

وكان أول اختيار لهذا اليوم في فبراير/شباط من عام 2008، إلا أنه عرض على البرلمان –في ذلك الوقت- كقراءة أولى لم تمرر حتى الآن.

وكان المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي حسن ناظم، دعا البرلمان إلى التصويت على تسمية الثالث من أكتوبر/تشرين الأول عيداً وطنياً للعراق بوصفه يوماً للاستقلال.

ودعا بمناسبة هذه الذكرى التي وصفها بـ"اللحظة التاريخية"، إلى التآخي والتسامح والمحبة وتغليب المصلحة الوطنية، وبناء الوطن على أسس سليمة، ونبذ الخلافات.

إلا أن هذه المناسبة الوطنية تحل اليوم على العراق، الذي يقع أسير أزمة سياسية هي "الأكثر تعقيدًا" في 19 عامًا، بدأت عقب اجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أنه بعد عام لم يتجاوز البلد الآسيوي ذلك الاستحقاق الدستوري، إلى مرحلة تشكيل حكومة جديدة واختيار رئيس للجمهورية.

تسوية الخلافات

وإلى ذلك، قال الأكاديمي والباحث التاريخي، حيدر مهدي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الاحتفال بذكرى الاستقلال وسط الأوضاع الحالية كان يستدعي على صناع المشهد التحضر لذلك اليوم بتسوية الخلافات والخروج من نفق الانسداد، باعتبار أن الأعياد الوطنية منجزاً تتباهى فيه الأمم وتحاول من خلال ذلك عرض مهاراتها وأدائها المؤسساتي".

وأوضح الباحث التاريخي، أن "الاحتفال بذلك العيد بوصفه منجزاً ملكياً من قبل نظام جمهوري يعد نقطة فارقة في تاريخ العراق وعلامة مميزة تستدعي الوقوف عندها".

وفيما أشار إلى أنه "رغم الاختلاف في توصيف أهمية عيد الاستقلال الوطني، كون البعض يفرغها من أهميتها باعتبار أن البلاد ظلت مرتبطة باتفاقية عام 1930، إلا انه يمثل تطوراً كبيراً في تاريخ السياسة العراقية وانتقالة هامة في تأسيس مشروع دول سيادي معترف فيه أممياً".





حقبة "هامة"

من جانبه قال المحلل السياسي العراقي إحسان عبدالله، إن "يوم الاستقلال بخروج العراق من الانتداب البريطاني، يمثل ذاكرة حية وشاهدًا على حقبة تاريخية مهمة، حين يجتهد السياسي ويقدم مصالح البلاد على الجوانب الحزبية والفئوية وهو ما تجلى في مساعي وجهود رئيس الوزراء آنذاك نوري سعيد وفريقه الحكومي".

وأوضح المحلل السياسي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "العراق الذي كان الأول عربياً في الخروج من عباء الانتداب البريطاني نجده اليوم في آخر الدول التي تفتقد البوصلة السياسية".