* "النهضة" يتصدّر الانتخابات البلدية بالعاصمة التونسية دون حصد الأغلبية

* "النهضة" متمسكة بترشيح سعاد عبدالرحيم لمنصب رئيس بلدية تونس

تونس – منال المبروك، وكالات



أكدت النتائج النهائية للانتخابات المحلية التي جرت في تونس في 6 مايو الجاري، فوز حركة النهضة الإسلامية بأحد أهم الدوائر المحلية وهي بلدية تونس العاصمة لتكون مرشحة الحركة سعاد عبد الرحيم أول امرأة تفوز بمنصب رئيس بلدية تونس، في تاريخ البلاد.

ورشحت حركة النهضة سعاد عبد الرحيم لتتولى منصب شيخ المدينة في تونس "رئيسة المجلس المحلي في انتظار تقسيم المهام بين الأحزاب الفائزة في ذات الدائرة الأسابيع القادمة".

وحلّ حزب النهضة الإسلامي في المرتبة الأولى في العاصمة التونسية وفي عدد من المدن الكبرى، وفق ما أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات البلدية التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات.

ولم يتمكن حزب النهضة، وفق النتائج، من حصد الغالبية لكي يتمكن من تسلّم رئاسة البلدية.

وحصل حزب النهضة على 21 مقعدا في الانتخابات التي جرت في تونس للمرة الأولى منذ ثورة 2011، فيما حلّ حزب نداء تونس في المرتبة الثانية حاصدًا 17 من مجموع 60 مقعدا.

وفي كامل البلاد، حصلت القوائم المستقلة على 32.9 % "2367 مقعدا" من مجموع المقاعد يليها حزب "النهضة" بـ 29.6 % "2135 مقعدا" ثم حزب نداء تونس بـ22.17 % "1595 مقعدا".

كذلك، تقدّم "النهضة" في كل من محافظات صفاقس في الجنوب وهي القطب الاقتصادي الأول للبلاد، وفي بنزرت في الشمال وقفصة وسط غرب البلاد وقابس في الجنوب والقيروان وسط البلاد، من دون جمع غالبية مريحة.

ويثير اقتراب مرشحة حركة النهضة من منصب رئاسة أهم دائرة محلية في العاصمة جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والمجتمعية في تونس نظرا لما قد يحدثه هذا الفوز من تغييرات جذرية في تقاليد إدارة الشأن المحلي بالعاصمة، التي يحتكر فيها الرجال من عائلات البلدية "مواليد وأعيان العاصمة" هذا المنصب منذ إحداثها سنة 1858.

ويؤكد مهتمون بالشأن السياسي أن المخاض سيكون عسيرا لانتخاب رؤساء البلديات، بينما تبقى معركة انتخاب رئاسة بلدية العاصمة الأشرس والأكثر دلالة بين الحزبين المتنافسين المتحالفين، "نداء تونس"، و"حركة النهضة".

وبدأ التنافس يحتدم على رئاسة بلدية تونس العاصمة قبل إعلان النتائج الأولية للانتخابات التي جرت الأحد.

ويثير منصب شيخ مدينة تونس "رئيس البلدية" تنافسا حادا بين مرشحة "النهضة" سعاد عبد الرحيم ومرشح "نداء تونس" كمال إيدير.

ويعود ذلك إلى الدلالة الرمزية لتونس العاصمة، كمدينة تاريخية ومركزية وشعبية، فضلاً عن خوض معركة موازية فيها، بحكم أنّ حزب "حركة النهضة" رشح امرأة لرئاسة بلديتها هي سعاد عبد الرحيم، في حين رشّح "نداء تونس" كمال إيدير.

ورغم أن أغلبية الصندوق أنصفت حركة النهضة في محلية تونس العاصمة إلا أن قيادات حركة نداء تونس أكدت أنها ستسعى للفوز بهذا المنصب بالتحالف مع بقية الأحزاب الفائزة بما يضمن لمرشحها كمال إيدير أغلبية أصوات يوم التصويت على اختيار الرئيس.

وقال القيادي في حركة نداء تونس برهان بسيس في تدوينة نشرها على صفحته الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "سيسعى نداء تونس للفوز بمنصب شيخ مدينة تونس، لا رفضا لرئيسة قائمة النهضة السيدة سعاد عبد الرحيم لأنها امرأة كما يريد أن يروج البعض".

وأكد بسيس أن "حزبه سيسعى للفوز بمنصب شيخ مدينة تونس لأنه كحزب سياسي مدعو أن يكون هدفه هو الفوز بما يمكن أن تسمح له التحالفات داخل المجالس البلدية من مقاعد تهم رئاسة البلديات تماما كما سيسعى لذلك منافسوه سواء من حركة النهضة أو المستقلين أو باقي الأحزاب".

وأضاف بسيس "في شهر يونيو يبدأ الفصل الثاني من الانتخابات البلدية، المهم أن يصعد الأكفأ القادر على قيادة مجالس بلدية تكون قادرة فعلا على تحسين واقع الحياة اليومية للتونسيين، كل التونسيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية".

في المقابل، اعتبرت سعاد عبد الرحيم "53 عاما" عضو المكتب السياسي لحركة النهضة والفائزة بأغلبية الأصوات أن "فوزها ومساندتها للوصول إلى هذا المنصب هو تحد لكل الأحزاب ولا سيما التقدمية الحداثية منها التي تدعي الدفاع عن حق المرأة في تولي مناصب قيادية عليا في البلاد".

وأضافت عبد الرحيم في تصريحات إعلامية أن "حزبها سيدافع على حظوظه لنيل مرشحته منصب شيخ مدينة تونس"، مؤكدة أن "الثورة على العقليات أصعب من الثورة على الحكم"، وفق قولها.

وقالت إن "الشعب انتخب امرأة". وقد تصبح عبد الرحيم أول امرأة تترأس بلدية تونس. وتابعت "أعتقد أن التوافقات "بين النهضة والنداء" لن تكون خارج دائرة إرادة الشعب".

وقال المحلل السياسي سليم خراط "تكمن اللعبة السياسية في مدى قدرة النهضة على التفاهم والتحالف على المستوى المحلي".

من جهته يُدرّس كمال إيدير "66 عاما" الصيدلة في الجامعة التونسية وكان ترأس جمعية "النادي الإفريقي" أهم الأندية التونسية، كما إنه خبير دولي لدى البنك الدولي ولاعب كرة يد سابق وشغل منصب رئيس بلدية منطقة المنزه بالعاصمة تونس.

وعبّر عدد من المسؤولين في حزب "نداء تونس" عن رفضهم لتولي سعاد عبد الرحيم منصب رئيسة بلدية ومنهم فؤاد بوسلامة الذي أقر بأنّ المرأة لا يمكن أن تكون رئيسة بلدية "لأننا لنا عاداتنا الإسلامية"، وهو ما رفضه حزب نداء تونس الذي قال في بيان الأربعاء إنّ تصريحات بوسلامة "لا تلزم سوى شخصه ولا تمثل الحزب".

وتصر قيادات نهضاوية بما في ذلك رئيس الحركة راشد الغنوشي على مواصلة تجربة الحكم التشاركي في الحكم المحلي معلنا تشبث حزبه باستمرار التوافق مع خصمه وشريكه في الحكم "نداء تونس"، فيما يمهد هذا الأخير إلى إنهاء مرحلة التشارك في الحكم التي يعتبرها سببا من أسباب خسارته في الانتخابات البلدية.

وتعد المعركة على رئاسة بلدية العاصمة تونس حسب محللين سياسيين اختبارا لصمود التحالف بين الحزبين حيث يؤكد العديد منهم أن حركة "نداء تونس" ستقايض "النهضة" بمواصلة التشارك في الحكم مقابل تخلي فائزة "النهضة" سعاد عبد الرحيم عن منصب رئيس البلدية لصالح مرشح النداء كمال إيدير فيما يبقى احتمال القطيعة السياسية بينهما واردا لا سيما أنّ توافقهما كان قد سقط في أكثر من اختبار سابق.

ويقول المحلل السياسي ورئيس جمعية "بوصلة" "منظمة غير حكومية متخصصة في مراقبة الحياة السياسية في تونس"، سليم خراط "تكشف النتائج عن بروز واضح للقوائم المستقلة كلاعب جديد سيعيد توزيع أوراق اللعبة على الساحة السياسية".

ووفقا لتقديرات منظمات غير حكومية، فإنّ حزب "النهضة" سيحصل على 155 بلدية والمستقلّين على 96 بلدية و"نداء تونس" على 83 بلدية.

وأمام 7212 مُستشارا بلديا تم انتخابهم الأحد مهلة حتى يوليو المقبل لانتخاب رؤساء 350 بلدية.

وسيتولى رؤساء الأحزاب فض الخلافات والإبقاء على التوافق والتحالف الحاصل بين حزبي "النداء" و"النهضة" في البلاد منذ انتخابات 2014.

وثلث الفائزين في المقاعد هم شباب لا تتجاوز أعمارهم 35 عاما. كما أن النساء يُشكّلن 47.7 % من العدد الجملي للفائزين.

وشهدت الانتخابات البلدية إحجاما عن الاقتراع خصوصا من فئة الشباب. وكانت الهيئة العليا للانتخابات أعلنت أن نسبة المشاركة النهائية بلغت 35.6 % فقط من مجموع 5.3 ملايين مسجل للانتخابات.

وستضع الانتخابات البلدية التوافق السياسي الحاصل بين الحزبين على المحك، حيث انهما مطالبان بتجسيد هذا التوافق على المستوى المحلي للحفاظ على التحالف الذي اقر منذ 2014.

وتنافست في هذه الانتخابات 2074 قائمة، 1055 منها حزبية و860 مستقلة و159 ائتلافية.

وأعلنت بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي أن الانتخابات البلدية التونسية اتصفت بـ"الصدقية"، لكنها أسفت لـ"ثغرات تقنية" ونسبة إحجام كبيرة عن الاقتراع خصوصا لدى الشباب.

وقال رئيس البعثة لمراقبة الانتخابات في تونس ونائب رئيس البرلمان الأوروبي فابيو ماسيمو كاستالدو "تمكن الناخبون التونسيون يوم 6 مايو 2018 من التعبير عن خيارهم بكل حرية عبر انتخابات ذات صدقية".

من شأن هذه الانتخابات أن تكرّس مبدأ لامركزية السلطة التي نص عليها الدستور التونسي وهي من مطالب الثورة التي انطلقت من المناطق المهمشة في البلاد.

وخلال حكم الحزب الواحد، كانت قرارات البلديات تخضع لإدارة مركزية غالبا ما تكون موالية للحزب الحاكم.

وصادق البرلمان نهاية أبريل الماضي على قانون الجماعات المحلية الذي سيمنح البلديات للمرة الأولى امتيازات مجالس مستقلة تُدار بحرية وتتمتع بصلاحيات واسعة.

ويؤمل بأن تفرز هذه الانتخابات جيلا جديدا من السياسيين قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في 2019.