العين الأخبارية

من جديد يعود الحديث إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن قبل 13 عاماً، لاستكمال ترسيم بنودها الاستراتيجية وطبيعة علاقة البلدين بعد تقدم العراق بطلب رسمي لاستئناف الحوار الذي توقف منذ نحو 9 أشهر.

وقدم العراق طلباً رسمياً إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لاستكمال الاتفاقية الاستراتيجية (2008) ووضع المعالجات والتفاهمات للعديد من الإشكاليات العالقة بينها التواجد الأجنبي وطبيعة الدعم اللوجستي والعسكري في مجال مواجهة الإرهاب.



ويأتي الحديث عن فتح الملف والعلاقة الاستراتيجية في ظل متغيرات عدة من بينها وصول بايدن إلى البيت الأبيض وتوازنات القوى وطبيعة المشهد في منطقة المتوسط وانعكاسات الصراع الأمريكي الإيراني على تطورات الأحداث.

وكانت بغداد وواشنطن قد استئنفتا الحوار الاستراتيجي في يونيو/حزيران الماضي عبر دائرة متلفزة ناقش خلالها الجانبان عدداً من القضايا بينها أعداد قوات التحالف الدولي.

وفي واشنطن خلال أغسطس/آب 2020، استكمل فريق عراقي برئاسة مصطفى الكاظمي، النقاش الاستراتيجي مع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وتعهد الأخير بسحب جميع قواته خلال 3 أعوام.

وجرت تلك المحادثات حينها على وقع هجمات متصاعدة استهدفت المصالح الأمريكية في العراق، تقف وراءها مليشيات مسلحة تابعة لإيران، مما أسفرت عن تعكير الأجواء بين واشنطن وبغداد بعد تهديد وزير الخارجية الأمريكية حينها مايك بومبيو، بغلق سفارة بلاده في بغداد والتهديد بالمقاطعة الدبلوماسية.

وفي رد على طلب العراق باستئناف الحوار، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إن الإدارة الأمريكية "تتطلع إلى مراجعة الحوار الاستراتيجي مع العراق في أبريل المقبل".

وقالت ساكي في تصريحات صحفية إن "الهدف سيكون توضيح أن مهمة قوات التحالف تقتصر على تدريب القوات العراقية وتقديم المشورة لضمان عدم عودة داعش".

وكان حلف الناتو، أعلن الشهر الماضي، عن سعيه لزيادة عدد قواته في العراق إلى ثمانية أضعاف فيما أكدت واشنطن التزامها بحسب قوات التحالف الدولي

التوقيت والجدوى



ومع استمرار الاعتداءات المتكررة التي تنفذها فصائل الكاتيوشا ضد المصالح الأمريكية وارتفاع عمليات القتل والترويع بحق القوى المدنية من ناشطين ومتظاهرين، تتفاوت الآراء بشأن أهمية مناقشة إطار الشراكة مع واشنطن والحكومة في بغداد إلى الآن تعاني اختلالات كبيرة في السطوة والسيطرة والقرار.

المحلل السياسي، جاسم الموسوي، يقول إن تحريك الملف الاستراتيجي مجدداً من قبل الجانب العراقي، يأتي "لتأكيد حكومة الكاظمي التزامها الشراكة مع واشنطن ولكن هذا لا يكفي لتأكيد تلك النوايا".

وتضغط بعض القوى السياسية ذات المليشيات المسلحة الولائية المعروفة إلى إيران لإخراج قوات التحالف الدولي من العراق عبر الحوار بـ"الصواريخ"، و"العبوات الناسفة".

وارتفعت حدة تلك الهجمات بعد مقتل رجل إيران الأول في العراق قاسم سليماني ونائب رئيس مليشيا الحشد أبو مهدي المهندس، مطلع العام الماضي بغارة أمريكية عند مطار بغداد.

ويلفت الموسوي إلى أن "واشنطن تريد ومن خلال الحوار الاستراتيجي المزمع استئنافه خلال أبريل/نيسان المقبل، الجلوس مع صاحب القرار في بغداد وله القدرة على إطفاء النيران التي توجه صوب السفارة الأمريكية وأرتال التحالف في العراق".

ويؤكد الموسوي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "سيادة العراق وأمنه القومي لن يتحققا بعيداً عن الصراع الأمريكي الإيراني وبالتالي فإن على بغداد الاستفادة من تلك الفرصة بتقوية الإرادة الوطنية ومحاولة إبعاد تأثير تلك النزاعات عن دائرة القرار في بغداد".

إلا أن الخبير في شؤون العراق الإقليمية والدولية، ناصر القصاب، يعتقد أن تنازع الهويات الفرعية على الهوية الوطنية سيضعف من قدرة المحاور الاستراتيجي العراقي أمام الإدارة الجديدة في واشنطن.

ويضيف: "نحن نعيش صراعا، فهناك من يؤمن أن العراق جزء من مشروع أيدلوجي جغرافي وبين من يريد استعادة الهوية".

ويشدد القصاب على أن "الحوار الاستراتيجي يحتاج إلى حكومة قوية وشخصيات صانعة للقرار قادرة على تمرير مصالح الوطن من بين الطرق الوعرة واختناقات المصالح الفئوية".

إيران وبطاقة العراق النووية



وكان وزير الدفاع الأمريكي لويد هوستن أكد عقب الهجمات التي استهدفت قاعدة عين الأسد الجوية غرب العراق في الشهر الماضي، أن إيران تضغط على الولايات المتحدة عبر بغداد.

تلك الهجمات التي تنفذها فصائل مسلحة تأتمر بالقرار الإيراني، تمثل التحدي الأكبر لشكل العلاقة الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن كما يقول المحلل السياسي محمد حسن العيسى.

ويبين العيسى أن "بايدن الذي يعرف بالحنكة السياسية والدبلوماسية العالية ومعه فريقه الحكومي للعلاقات الخارجية، سيحاور إيران عبر العراق ضمن ما تعرف اتفاقية الإطار الاستراتيجي من خلال كبح جماح فصائلها والعودة بالعراق إلى محيطه العربي".

ويستدرك بالقول: "نجاح معاهدة الإطار الاستراتيجي وارتفاع مؤشر الشراكة بين بغداد وواشنطن يعتمد على مجموعة من المدخلات الرئيسية في مقدمتها عودة العراق إلى الحاضنة العربية باعتبارها القاعدة الأقوى التي ممكن الاعتماد عليها في النهوض من تفتت الهوية والمراهنات الجارية على إذكاء وتقوية الانتماء المذهبي والأثني والطائفي".

ويقترب حمزة مصطفى، الصحفي والمحلل السياسي من ذلك الرأي، حيث يؤكد أن بايدن رجل ضليع في السياسة ويمتلك خبرة تراكمية كبيرة في مجال المصالح العليا للواشنطن، وأعتقد أن نضج تجربته سيكون واضحاً في الحوار الاستراتيجي المزمع انطلاقه بعد نحو شهر.

ويوضح مصطفى، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "طهران خاب أملها بعد تصريحات بايدن التي كانت ترى فيه مخرجاً لعزلتها الدولية وحصارها الاقتصادي والنووي بعد ان أدركت أن السياسات ثابتة ولن يتغير شيء بتغير الرؤساء".

وكانت إدارة البيت الأبيض الجديدة أكدت في أكثر من موقف لها أن معالجتها للملف الإيراني لن تكون على حساب السلام في المنطقة.