مجموعة مسلحين يصعدون على متن إحدى السفن في الخليج، فيما بدت أنها عملية اختطاف غامضة؛ حيث لم يقدم الخاطفون مطالب لتحريرها.

مشهد بدا من أوله لآخره لافتا للانتباه بعد اختطاف سفينة "أسفالت برينسيس" في خليج عمان أمس؛ إذ أن منفذي الخطف غادروها في اليوم التالي دون إذاعة بيان أو تقديم مطالب كما هو معتاد.



ولعل هذا المشهد جعل الخاطفين يتركون خلفهم المحللين يطرحون عشرات التساؤلات حول هذه الحادثة.

ومن هنا أجمع محللون ومختصون عرب، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" على أن "إيران هي المتورط الأول والوحيد في هذه الحادثة".

وأشاروا إلى أن "ما حدث أشبه بكرة الثلج غير المتوقعة، التي كبرت من خلال ردود الفعل العالمية ورصد الأقمار الصناعية لوجهة الخاطفين باتجاه إيران، ما دفع طهران لسحب عناصرها من السفينة وإنهاء الحادثة".

دوافع عدة، ساقها الخبراء في قراءتهم لأهداف إيران من وراء هذا الحادث، مشددين على أن الهدف الرئيسي هو صرف الأنظار عن الهجوم على نافلة النفط التي تديرها شركة إسرائيلية في بحر العرب، إلى جانب أمور أخرى مثل التغطية على المظاهرات الداخلية في إيران، وكذلك محاولة استعراض القوة.

وفي وقت سابق الأربعاء، أعلنت هيئة العمليات البحرية البريطانية، انتهاء حادثة السفينة "أسفالت برينسيس" التي رجحت مصادر أمنية بحرية، تعرضها للاختطاف في خليج عمان.

رعاية إيرانية

فهد الشليمي، المحلل السياسي الكويتي، رأى بدوره أن "الخاطفين تحت الرعاية الإيرانية وهم إما من جهاز استخبارات الحرس الثوري أو من فيلق القدس".

وعزا الشليمي، وهو رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام، رؤيته إلى أن "المنطقة الجغرافية تقع في نطاق المياه القريبة من السواحل الإيرانية، وتحديدا في المياه الاقتصادية، وبالتالي وجود عناصر إيرانية وقيامها بالاختطاف وارد تماما".

ويستدرك بالقول: "الذي يقوم بعمليات اختطاف في السابق في كل ساحل الخليج العربي هو الحرس الثوري الإيراني، أيضا تم قبل أسبوع استخدام طائرة مسيرة أو أكثر لتنفيذ هجوم على ناقلة نفط الأسبوع الماضي قبالة سواحل عمان، وهذا الأسلوب يسمى في علم الاستخبارات signature أي أن التوقيع إيراني والفاعل الحرس الثوري".

وتابع: "كل هذا إلى جانب التهديدات السابقة والشواهد التاريخية التي كانوا يؤكدون (الإيرانيون) فيها على إغلاق الملاحة وأنهم يستطيعون غلق مضيق هرمز والتدخل في بحر عمان وأنهم يستطيعون الدخول إلى البحر الهندي والوصول إلى شرق البحر المتوسط".

ويعني ذلك أن "الشليمي" يؤمن بأن "طهران تقف وراء الحادث، لعدة أهداف في مقدمتها خلط الأوراق وصرف الأنظار عن أحداث جارية من بينها الهجوم على ناقلة نفط مملوكة من شركة إسرائيلية قرب شواطئ عمان".

وتابع: "عندما يقع حادث اختطاف ينحرف الإعلام وتتجه جميع الأنظار نحو الخطف الجديد وليس خبر الأسبوع الماضي وهذا هو هدف إيران معالجة الأزمة بأزمة أخرى".

حادث الاختطاف هذا جاء بعد 5 أيام على هجوم استهدف ناقلة نفط في بحر عمان، أسفر عن قتيلين، ونسبته قوى غربية عدة بينها الولايات المتحدة إلى إيران.

الشليمي استكمل حديثه: "ثانيا طهران أرادت صرف الأنظار عن المظاهرات الداخلية على أراضيها وعن الوضع الداخلي".

وأضاف: "ثالثا.. طهران أرادت أيضا تشويش الحقيقة وتعقيد المشهد عبر وجود أطراف كأنهم أشباح وهم ليسوا كذلك، بل هم أشخاص لديهم سلاح استولوا على ناقلة عطلوا أجهزة ملاحية وغيروا وجهتها".

واستنكر المحلل السياسي الكويتي، أن "يكون الخاطفين مجرد أشخاص عاديين حيث صعدوا بأسلحة وجازفوا وخاطروا بحادثة الاختطاف ثم غادروا السفينة دون أي بيان أو إعلان مطالب".

ولفت إلى أن "النطاق الجغرافي في خليج عمان يقع بين السلطنة وإيران، وأن الأخيرة دورياتها أكثر جرأة وتحركا وبالتالي فكل القرائن تقول طهران ولا نحتاج لدليل".

وطرح تساؤلات وهي: "لماذا لم تتحرك إيران وترسل طائرة استكشاف على غرار عمان؟ لماذا لم تتحرك واكتفت ببيانات هلامية تدعي فيها أن المشهد غير واضح بينما لو حركت سفينة أو زورق سريع لوصل خلال 3 ساعات لموقع الحادث؟"

وعن كيفية انتهاء الحادث، علق قائلا: "رد الفعل العالمي كان أكبر من توقعات طهران؛ حيث بدأت الأقمار الصناعية ترصد وتقول إنها تتجه نحو السواحل الإيرانية وصار هناك إرباك للملاحة الدولية.. بدأت العملية تكبر والمشهد يتعقد إلى أن وصلوا إلى مرحلة طلبوا منهم الانسحاب".

وعقب الإعلان عن حادث الاختطاف، كشف الموقع الإلكتروني لمجلة " لويدز ليست" البريطانية التي تُعتبر مرجعا في بيانات الملاحة البحرية أن السفينة متجهة إلى إيران تحت مراقبة رجال مسلحين.

ومساء الأربعاء، قالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن واشنطن تعتقد أن الأشخاص الذين خطفوا الناقلة "أسفلت برينسيس" في خليج عمان "إيرانيون".

وذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين: "يمكننا أن نؤكد أن أشخاصا تركوا السفينة أسفلت برينسيس التي ترفع علم بنما وهي سفينة تجارية خُطفت أمس. نعتقد أن هؤلاء الأشخاص إيرانيون لكننا لسنا في وضع يسمح لنا بتأكيد ذلك في الوقت الراهن".

استعراض قوة

وفي قراءته للأهدف التي دفعت طهران لتنفيذ الحادث، يطرح حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تساؤلات حول نوايا إيران، قائلا: "هناك مستوى أول وهو استعراض القوى، يجب أن نتساءل هل الهدف توصيل رسالة إظهار قوة، وأن طهران قوية وذراعها طويلة.. هل تريد أن تبرهن على أنها تستطيع إثارة التوتر في المنطقة؟"

أما المستوى الثاني، بحسب "سلامة" فهو "توظيف حادثة الاختطاف، من خلال التغطية على مشاكل داخلية لا ترغب طهران في تسليط الضوء عليها كالمظاهرات الداخلية وغيره من الممارسات المرفوضة".

وشدد المحلل السياسي المصري على أن "إيران قد تريد استغلال الحادث في مرات قادمة، في أي مفاوضات، من خلال إثارة المخاوف، عبر رسالة: (نحصل على ما نحصل عليه دون عناء)".

ويرى أن "حادثة اختطاف السفينة تأتي في إطار ما اسماه بالصراع الإقليمي بين إيران التي ترغب في بسط نفوذها والدول العربية حيث تتدخل في شؤون الداخلية للأخيرة وتتسبب في زعزعة أمن واستقرار المنطقة والخليج".

المتهم الوحيد

من جانبه، قال الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي عايد المناع لـ"العين الإخبارية": "ليس مستغربا أن تنفي إيران انغماسها في حادثة الاختطاف، لكن كل الشواهد تؤكد أن الحادث متصل بالحرس الثوري".

وأضاف: "ليس بالضرورة أن تكون القيادة السياسية لها علم بكل التفاصيل لكن لا أستبعد قيام طهران بهذا العمل، خاصة مع تهديداتها السابقة.. أعتقد أن إيران هي المتهم الوحيد في هذا الحادث".

ويفسر رأيه: "في هذه المنطقة ليس هناك من يمكن أن يتعرض للملاحة البحرية إلا إيران أو أتباعها، أما البقية فهم دول مسؤولة ومحترمة ولهم علاقة طيبة مع العالم أجمع وخاصة الغرب".

ويمضي في حديثه: "الدول على سواحل الخليج الباقية من أحرص الدول على سلامة الملاحة البحرية وعدم تعريضها للمخاطر لأن هذا يضر بمصالح الخليج الاقتصادية وأمنه القومي".