جاءت مشاركة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، في تقديم واجب التعازي والمواساة إلى صاحب الجلالة الملك تشارلز الثالث، ملك المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، ومراسم الجنازة الرسمية لصاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية، لتجسد عمق روابط الصداقة التاريخية الوثيقة التي تربط بين مملكة البحرين والمملكة المتحدة، ومدى تقدير جلالته لدور الملكة الراحلة البارز في تعزيز العلاقات المتينة بين العائلتين الملكيتين والشعبين في البلدين الصديقين.

كما شكلّت مشاركة جلالته، أيده الله، مناسبة للتأكيد على خصوصية هذه العلاقة والروابط الوثيقة بين البلدين والشعبين الصديقين، والتاريخ الممتد الذي يربط بين البلدين لأكثر من قرنين من الزمان، وتعبيرًا عن مدى اعتزاز مملكة البحرين، قيادةً وشعبًا، بالصداقة القوية والمتميزة التي تجمع البلدين، وتقديرًا رفيعًا من جلالته ومملكة البحرين للإرث التاريخي الكبير الذي تركته الملكة الراحلة وإنجازاتها على المستوى الدولي، ومناقبها العديدة ودورها في نهضة بلادها في إطار من الحكمة والاعتدال والاتزان، وما تميزت به فترة حكمها الممتدة من نهج حكيم وداعم لقيم السلام والتعايش بين الدول والشعوب، وهي القيم التي توليها مملكة البحرين جل الاهتمام وتحرص على ترسيخها من خلال سياستها الخارجية المتوازنة مع مختلف الدول والشعوب.

وينعكس ذلك التقدير السامي الذي يكنه جلالته للملكة الراحلة ما عبر عنه جلالته لدى تقديم تعازيه لجلالة الملك تشارلز الثالث من أن: "العالم فقد برحيل جلالة الملكة إليزابيث الثانية رمزًا كبيرًا في الإنسانية والحكمة والتسامح، حيث حظيت جلالتها خلال مسيرتها الحافلة باحترام وتقدير ومحبة دول العالم أجمع"، وكذلك تأكيد جلالته بأن: "العالم أجمع فقد برحيل جلالة الملكة قائدة عظيمة سيخلدها التاريخ ونموذجاً يحتذى به في الحكمة والخبرة والمحبة والسلام والتسامح، وأن الجميع يستذكرون اليوم الأثر العظيم والأعمال الجليلة التي قدمتها طوال مسيرتها، حيث كانت لها مواقف تاريخية مشرفة ومبادرات رائدة في خدمة البشرية والقضايا الإنسانية وإسهامات عديدة في تعزيز الأمن والسلم والارتقاء بمسارات التنمية المستدامة على المستوى العالمي وتعزيز قيم ومبادئ التعايش والتسامح الإنساني، مما أكسبها مكانة كبيرة وتقدير واحترام قادة وشعوب العالم كافة".



ولقد شهدت العلاقات بين مملكة البحرين والمملكة المتحدة على مدى عقود تطورًا ونموًا ملحوظًا كان للمملكة إليزابيث الثانية إسهامها الكبير فيه، وهو الأمر الذي أضاف لعمق الشراكة الثنائية، والتي أخذت في التوسع وتُرجمت بتوقيع العديد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون ومذكرات التفاهم بهدف رفع مستوى الشراكة والتنسيق الثنائي في عدة مجالات مختلفة منها السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وغيرها.

ويجمع بين مملكة البحرين والمملكة المتحدة تاريخ طويل من التعاون والصداقة منذ أن وُقعت المعاهدة العامة للسلام عام 1820م، والتي تعززت أعوام 1861 و1880 و1892م، وازدادت تطورًا ورسوخًا مع بدايات القرن العشرين، خصوصاً منذ عام 1935م، إثر نقل القاعدة البحرية البريطانية الرئيسية في الخليج العربي إلى مملكة البحرين، وحتى توقيع معاهدة الصداقة 1971م.

وتوطدت هذه العلاقات في العصر الحديث مع حجم الزيارات المتبادلة بين كبار مسؤولي المملكتين، والتي تجاوزت 55 زيارة، وامتزجت الزيارات المتبادلة بين العائلتين الملكيتين بين الرسمية والودية، وأسهم التقارب في الاهتمامات والهوايات الرياضية المشتركة التي جمعت بين صاحب الجلالة الملك المعظم وجلالة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية في توطيد العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.

وكانت أول زيارة لحاكم بحريني إلى المملكة المتحدة عام 1936م حينما قام صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، طيب الله ثراه، بزيارة إلى بريطانيا، وكانت قد سبقتها زيارة سمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة إلى لندن عام 1919م ممثلا عن حاكم البحرين للمشاركة في احتفال النصر بعد الحرب العالمية الأولى، وزيارة صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، طيب الله ثراه، إلى بريطانيا عام 1953م لحضور حفل تتويج الملكة إليزابيث الثانية. إضافة للزيارات التي قام بها صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، للمملكة المتحدة.

وقام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، بزيارات عديدة لبريطانيا منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد، كان آخرها حضور جلالته لمهرجان وندسور الملكي للفروسية في مايو الماضي 2022م بدعوة من جلالة الملكة إليزابيث الثانية، إضافة إلى زيارات العديدة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، إلى بريطانيا، والتي تعكس جميعًا عمق ومتانة العلاقات التي تربط المملكتين الصديقتين.

أما على الجانب الأخر؛ فقد كانت أول زيارة رسمية تقوم بها الملكة الراحلة إليزابيث الثانية إلى مملكة البحرين في منتصف شهر فبراير عام 1979م في عهد صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، وفي عام 1986م قام الملك تشارلز الثالث، حينما كان ولي وليًا للعهد، وأمير ويلز بزيارة لمملكة البحرين في إطار جولة خليجية، تلاها بزيارة أخرى في 26 فبراير عام 2007م رافقته خلالها قرينته الأميرة كاميلا، ثم زيارة ثالثة عام 2016م لحضور احتفاليات ذكرى مرور 200 عام على العلاقات الثنائية بين البلدين، والتي شهدت عدة فعاليات جسَّدت مدى عمق العلاقات الودية والتاريخية القائمة بين البلدين والشعبين الصديقين، والرغبة في تدعيم التعاون والترابط بينهما، خاصة وأنها جاءت عقب حضور حضرة لجلالة الملك المعظم، لمهرجان ويندسور الدولي، والذي دُشن في إطاره كتاب "تاريخ العلاقات البحرينية البريطانية خلال مائتي عام".

ومن شواهد تميز العلاقات بين البلدين قيام مملكة البحرين في العام 1941م بالتبرع بعشر طائرات لسلاح الجو الملكي البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، وكذلك قيام صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، طيب الله ثراه، في العام 1947م بإهداء الملكة إليزابيث مجموعة من اللآلئ بحرينية بمناسبة زفافها، وهي اللآلئ التي ارتدها عام 2021م خلال جنازة زوجها الأمير فيليب.

وتتنوع مجالات التفاهم والتعاون بين البلدين لتشمل أيضا العديد من اتفاقات وبروتوكولات التعاون والتنسيق، والتي شملت المجالات كافة، ومنها؛ اتفاق لتشجيع وحماية الاستثمارات عام 2006م، واتفاق تعاون بين بورصتي البلدين عام 2007م، ومذكرتا تفاهم بين حكومتي البلدين في المجالات المرتبطة بالقطاع الجمركي عام 2008م، واتفاق للتعاون الدفاعي عام 2012م، وغيرها.

إن هذه المشاركة الملكية في مراسم العزاء تترجم ما تتميز به العلاقات البحرينية البريطانية من سمات ومحطات مهمة، وما تشهده من تطور مستمر في ظل ما يجمع بين البلدين من احترام متبادل.