حددت الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه في افتتاح دور الانعقاد الأول للمجلس الوطني في فصله التشريعي السادس، مرتكزات نهج العمل الوطني خلال السنوات المقبلة، ووضعت إطارًا عامًا وقواعد لما يجب أن تسير عليه كل الجهود للحفاظ على ما أنجزه الوطن من مكتسبات والبناء عليها، في ظل ما تضمنته الكلمة السامية من رؤى وتوجيهات حكيمة من شأنها أن تثري المسيرة الديمقراطية في البلاد، وتنتقل بها إلى مستويات من التميز والكفاءة بما يجعلها قادرة على تلبية تطلعات الوطن والمواطنين في التقدم والازدهار والحياة المعيشية الكريمة.



وجسدت كلمة جلالته أيده الله، مدى إيمانه بأهمية دور السلطة التشريعية في تعزيز جهود النهضة في الوطن، وتقدير جلالته حفظه الله ورعاه لما أبداه أبناء البحرين من مظهر حضاري مشرف خلال الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة ووصول نسبة المشاركة فيها إلى 73.18%، بما يعكس ما يتمتع به شعب البحرين من وعي عالٍ، وحرص على المشاركة في صنع القرار من خلال القنوات الدستورية التي تكفل للمواطن حقه في الانتخاب والتصويت، حيث أشاد جلالته بالمستوى الحضاري والأداء المهني الرفيع الذي رافق عمليات التصويت، وخص جلالته بالشكر جميع من لبى نداء الواجب ومارس حقه في التصويت على أفضل وجه.



وتضمنت الكلمة السامية تقديرًا واعتزازًا عاليًا من لدن جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه لمشاركة المواطنين والمواطنات في صنع القرار عبر الانتخابات الحرة التي شهدتها مملكة البحرين، حيث وصفها جلالته بأنها "تجربة تمتاز باستقرارها وعراقتها، منذ أن شهدت بلادنا أول صيغة للانتخابات البلدية ناهزت المئة عام، وعملت منذ ذلك الحين، على إثراء مسيرتها، وتعزيز مؤسساتها الدستورية، نهوضاً بتجربتها الديمقراطية العامرة بالخير والنماء".



ورسمت كلمة جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه مسار ومنهاج العمل الوطني خلال السنوات المقبلة والأولويات التي يجب التركيز عليها من أجل حاضر ومستقبل مملكة البحرين وشعبها. ويمكن رصد وقراءة ما جاء في الكلمة السامية من خلال النقاط الآتية:



أولاً: إشادة جلالته حفظه الله ورعاه بجهود الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وما تتميز به من كفاءة واقتدار في الأداء في ظل تولي سموه مسئولية إدارة العمل الحكومي في هذا التوقيت الذي يشهد فيه العالم تحديات عديدة تتطلب، كما تفضل جلالته بالقول في كلمته، عملاً مكثفًا يزيد من مرونة وسرعة الاستجابة لكل متطلب وطني.

وفي هذا السياق جاء تأكيد جلالته على أهمية تحديث وتطوير الأداء الوطني بأجهزته وأنظمته وخدماته، وتوجيهاته السامية بمواصلة الجهود الحكومية في تنفيذ خطط التعافي الاقتصادي وبرامج التوازن المالي، وبتوضيح نتائج الشراكة مع القطاع الخاص على تنويع الاقتصاد الوطني، والعائد من الاستثمارات على النمو الاقتصادي، وبرامج التدريب والتعليم التي تتبناها الحكومة لزيادة الإنتاجية وتوجيه كل تلك النتائج ومردودها الإيجابي على المستويات المعيشية للأسرة البحرينية، كما أبدى جلالته حفظه الله ورعاه ارتياحه لما يُبذل لتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين، وزيادة كفاءة العمليات الإدارية، وتنمية الخبرات الوطنية وتنويع فرص العمل.



وكل ذلك يؤكد مدى حرص واهتمام جلالته بالمواطن البحريني باعتباره المستهدف الأول من كل خطط وبرامج التنمية، وأن يكون للنجاحات الاقتصادية أثرا ملموسا على المواطنين وأوضاعهم المعيشية في الاتجاهات كافة.



ثانيًا: تأكيد جلالته حفظه الله ورعاه على أهمية مواصلة تطوير آليات الحوار وعلاقات التعاون البنّاء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتنسيق الجهود والمواقف تلبيةً لتطلعات المواطنين وبما يرفع من سقف العطاء الوطني من أجل الصالح العام، وهو ما يجسد حرص جلالته على أن تكون منظومة العمل الوطني ذات رؤية واستراتيجية تقوم على التعاون بين السلطتين بما لهما من دور دستوري أصيل في وضع وتنفيذ خطط وبرامج التنمية بمختلف أبعادها، وتعكس مدى إيمان جلالته أيده الله بأن التعاون بين السلطتين هو السبيل الأمثل لحقيق ما ينشده الوطن والمواطن من نماء وتقدم.



ثالثا: حرص جلالته على صيانة وتقوية أركان الوحدة الوطنية والحفاظ على الهوية البحرينية والإسلامية للمجتمع وحمايتها من أي محاولات للتأثير عليها، وهو ما يتضح من خلال تشديد جلالته على أنه لن يتم السماح بأي شكل من الأشكال بالمساس بمنظومة القيم والتقاليد البحرينية التي تنطلق من القيم العربية الإسلامية، وأن مملكة البحرين بعون الله عز وجل وبعزم أبنائها وبناتها ستقف كالبنيان المرصوص في وجه أي غزو فكري يتعارض مع قيم الشريعة الإسلامية السمحاء والفطرة الإنسانية السليمة.



رابعًا: اهتمام جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه بكل ما يخفف عن المواطنين تبعات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، بما يعكس ما يتمتع به جلالته من إحساس عالٍ وحرص دائم على تحقيق الاستقرار المعيشي والنفسي للمواطنين وضمان عدم تأثرهم بهذه الأزمات، حيث أكد جلالته أهمية برامج الدعم المالي والاقتصادي للمواطنين لما لها من دور كبير في الحد من الأعباء الاقتصادية باختلاف أسبابها، وتشديد جلالته على ضرورة أن تخضع تلك البرامج للمزيد من التطوير لرفع كفاءة توجيه الدعم لمستحقيه، وبما يلبي احتياجات المواطنين الأساسية ويوفر لهم حقهم الكامل من الحياة الكريمة.



خامسًا: حملت الكلمة السامية البشارة والخير للمواطنين بمستقبل الوطن ونماءه، وهو ما تجسد في إشارة إلى جلالته للنجاحات الأخيرة التي حققها قطاع النفط والغاز، والمتمثلة في الاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعي، والتي من شأنها أن تسهم في رفع مستويات الرخاء الوطني العام.



سادسًا: أبرزت الكلمة السامية مدى فخر واعتزاز جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه بالمرأة البحرينية والشباب ودورهم في النهضة الوطنية، وهو الأمر الذي تحقق بفضل دعم ورعاية جلالته وإيمانه بإمكانيات وقدرة أبناء البحرين باختلاف جنسهم وأعمارهم على أن يكونوا فاعلين ومؤثرين في دفع عجلة التنمية والتطوير إلى مراتب أعلى، ارتكازًا على ما لديهم من أفكار إبداعية قادرة على تحقيق إنجازات نوعية تخدم نماء الوطن وازدهاره من خلال تبوؤهم لمختلف المناصب الوزارية والقيادية في كل مواقع العمل والإنتاج.



سابعًا: أكدت الكلمة السامية تقدير جلالته حفظه الله ورعاه اللامحدود لعطاءات أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وما يقدمونه من نماذج في الفداء والتضحية في الذود والدفاع عن أمن الوطن واستقراره وسلامة المجتمع، وهو ما تجسد في حرص جلالته على تحيتهم وتفانيهم في أداء واجبهم الوطني بكل إخلاص.



أما في الشأن الإقليمي والدولي، فقد جاءت الكلمة السامية لتجدد التأكيد على مواقف مملكة البحرين الثابتة الداعمة لكل ما ينشر السلام والتعايش والتآخي بين البشر وأهمية حل الصراعات عن طريق الحوار، انطلاقًا من إيمان جلالته حفظه الله ورعاه بأن الدبلوماسية والتعاون هما السبيل الأمثل لتحقيق التقارب بين الدول والشعوب وتعزيز قدرات دول العالم في مجال التنمية، وقد أكد جلالته في هذا السياق على عدة أمور منها:

أولاً: مواصلة مملكة البحرين تفعيل دورها المساند لمحيطها الإقليمي من خلال مبادراتها ومساعيها الدبلوماسية والودية من أجل استقرار المنطقة وتحقيق آمال وتطلعات شعوبها.



ثانيًا: التأكيد على استمرار المملكة في مساعيها من أجل التوصل إلى سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط يقوم على حل الدولتين لتثبيت الحقوق المشروعة للفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة على أراضيهم وعاصمتها القدس الشرقية.



ثالثًا: الدعوة إلى وقف الحرب الروسية - الأوكرانية، وبدء المفاوضات الجادة لعودة التوافق بين الطرفين، وبما يحفظ مصالحهما المشتركة والأمن والسلم الدوليين.

رابعًا: التأكيد على حرص مملكة البحرين على دعم الجهود الدولية في مواجهة التغيرات المناخية ومتابعة كل ما يصدر من قرارات وتوصيات أممية لمؤتمرات المناخ ومساندتها والإسهام في تحقيق أهدافها لعودة التوازن البيئي واستدامة الموارد الطبيعية وعدالة الحصول عليها.

وبكل تأكيد، فإن هذه المواقف الحكيمة التي تضمنها خطاب جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، لتأكيد جديد على سعي مملكة البحرين إلى دعم الأمن والاستقرار العالميين برؤية تدرك تعقيدات الواقع وتستشرف المستقبل، ودليل على أن المملكة بقيادة جلالته تشارك العالم مساعيه من أجل حل الصراعات والنزاعات بالطرق السلمية، بما يساعد المجتمع الدولي على التركيز في مواجهة التحديات الجديدة، ومنها الأوبئة والتغيرات المناخية وقضايا الحفاظ على البيئة، لما لها من أولوية باعتبارها تحمل تهديدًا مباشرًا لحركة الاقتصاد العالمي ومستقبل الحياة على الأرض.



كما جددت الكلمة السامية مواقف مملكة البحرين الثابتة تجاه القضية الفلسطينية ومحوريتها، ودعم مملكة البحرين لكل جهد يهدف إلى حل القضية بتسوية عادلة تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق وتضمن له حقوقه المشروعة، من خلال سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط يقوم على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.



إن كلمة جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه أرست دعائم مسيرة العمل الوطني وأولوياته خلال السنوات المقبلة برؤى ثاقبة وتوجيهات حكيمة، وحددت للسلطتين التنفيذية والتشريعية النهج الذي يجب أن يسيرا عليه وأن يكون حال المواطن ورفاهيته في صدارة أولوياتهما في جميع ما يقررانه من قوانين وما يتخذانه من قرارات وما يضعانه من خطط وبرامج، كما شكلت منهاجًا فكرياً وعمليًا للسياسة الخارجية لمملكة البحرين، والتي تقوم على التوازن والاعتدال ودعم الجهود الدولية التي تلبي تطلعات السلام والمحبة والتعايش وتعزز جهود بسط السلام والاستقرار العالميين.