محمد نصرالدين


من أنجح التكتلات الإقليمية والدولية الفاعلة

تحلّ اليوم الذّكرى الثالثة والأربعين لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي ذكرى يستذكرها أبناء دول مجلس التعاون بكل الفخر والاعتزاز، حيث انطلقت مع تأسيس المجلس في 25 مايو 1981م مسيرة عظيمة من الإنجازات تحقيقاً لتطلعات شعوب دول المجلس، وتمكنت دول مجلس التعاون على مدى 43 عاماً مزدهرة من تحقيق منجزات كبيرة في التعاون السياسي وتعزيز التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة وتوثيق الروابط بين الشعوب الخليجية.

وجاءت هذه المنجزات تحقيقا للأهداف الرئيسية التي حدّدها النظام الأساسي لمجلس التعاون لدى تأسيسه، والتي تمثّلت في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع المجالات، وتوثيق الروابط بين الشعوب الخليجية، ووضع أنظمة متماثلة في الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشؤون التعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والإعلامية والسـياحية، والتشـريعية والإدارية، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني وإقامة مشروعات مشـتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص.

وجسّدت مسيرة مجلس التعاون على مدى هذه السنوات أواصر التعاون الوثيق بين دوله الشقيقة عبر العمل على توحيد وتنسيق رؤى وتطلعات دول المجلس، مما مكنها من تحقيق تقدّم كبير في مختلف المجالات وتعزيز التنمية وتحقيق الازدهار والتنمية والرفاه لشعوبها، حيث وضعت دول المجلس إمكاناتها ومواردها الاقتصادية والبشرية في خدمة شعوبها.

ويعتبر مجلس التعاون من أنجح التكتلات الإقليمية والدولية ونموذجٌاً رائداً لتحقيق الازدهار في المنطقة، فقد نجح المجلس في تعزيز مكانته الإقليمية والدولية وتفاعله وحضوره على الساحة الدولية، ليكون شريكاً فاعلاً وموثوقاً به لترسيخ الأمن والاستقرار في العالم، وبات محل تقدير واحترام من قبل كافة الأطراف الدولية حيث سعى المجلس ومنذ تأسيسه إلى توسيع شراكاته الاستراتيجية مع العديد من الدول والتجمعات والدخول في مفاوضات التجارة الحرة مع المجموعات الاقتصاديّة الدوليّة بما يخدم المصالح المشتركة لدول المجلس.

على الصعيد السياسي، نجح المجلس بتنسيق وتكامل السياسات الخارجية للدول الأعضاء وصولاً إلى بلورة سياسة خارجية موحّدة وفاعلة تخدم تطلّعات وطموحات شعوب دول الخليج وتحفظ مصالحها ومكتسباتها، وتُجَنِّب الدول الأعضاء الصراعات الإقليمية والدولية أو التدخل في شؤونها الداخلية. وكانت مواقف مجلس التعاون ودوله على الدوام نهجها الاتزان والاعتدال وقد نجح على مدى 43 عاماً في تأكيد حضوره في الساحة الدولية متخذاً من لغة الحوار منهجاً في تعميق التفاهم المشترك حول القضايا الإقليمية والدولية، وتنمية العلاقات بين دول المجلس والعالم، وهو ما اكسب المجلس مكانة مهمة واحتراماً عالمياً كبيراً.

وتعتبر القضية الفلسطينية من أهم القضايا التي حظيت باهتمام مجلس التعاون، حيث كانت مواقف دول مجلس التعاون ولا تزال ثابتة حول قضية العرب والمسلمين الأولى، بدعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود الرابع من يونيو1967م، وعاصمتها القدس الشرقية والدعوة إلى ضمان كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

على الصعيد الاقتصادي، شكل التنسيق والتكامل والترابط الاقتصادي أحد الأهداف الرئيسة لمجلس التعاون ومن أهم إنجازات المجلس على هذا الصعيد نجاحه في تنشيط حركة التجارة بين دوله الشقيقة، بفضل الاتحاد الجمركي وإنشاء السوق الخليجية المشتركة؛ والتي أسهمت بارتفاع ونمو التجارة البينية في دول مجلس التعاون إلى مستويات قياسية.

وفي المجال الأمني استطاعت دول مجلس التعاون بفضل تكاتفها وترابطها الثبات على مر السنين في مواجهة كافة التحديات والأزمات، وكان المجلس حائط الصد الأول أمام أي محاولات لبث الفوضى أو العنف والإرهاب، ومن ابرز الإنجازات المتحققة على هذا الصعيد الاتفاقية الأمنية الخليجية التي جرى اعتمادها في الدورة رقم 33 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون التي عقدت في مملكة البحرين عام 2013.

وعلى الصعيد العسكري كان من أهم إنجازات المجلس اتفاقية الدفاع المشترك، التي تم التوقيع عليها في قمة المنامة في ديسمبر 2000، حيث وضعت الاتفاقية المرتكزات الأساسية في التعاون العسكري، كما أكدت عزم دول مجلس التعاون الدفاع عن نفسها بصورة جماعية، انطلاقاً من أن أي خطر يهدد إحداها إنما يهددها جميعاً، كما وضع المجلس استراتيجية دفاعية في ديسمبر 2009. وتعتبر قوات "درع الجزيرة المشتركة" ضمن الإنجازات البارزة، وقد تشكلت في 10 أكتوبر 1982، وصدرت في ما بعد قرارات بتطوير هذه القوة وتحديثها، لتكون ذات كفاءة عالية عملياً، وتقنية حديثة تؤهلها للقيام بدورها في حفظ الأمن والاستقرار، وحماية مكتسبات المجلس، إلى جانب إنشاء القيادة العسكرية الموحدة ومركز العمليات البحرية الموحد ومركز العمليات الجوية والدفاع الجوي الموحد، واستمرار التنسيق المشترك في كل المجالات العسكرية.

وفي المجال الاجتماعي استطاعت دول المجلس تحقيق العديد من الإنجازات وأهمها تمتع مواطني دول المجلس بالمعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء، بحيث تتوفر لهم جميع المزايا التي تمنح للمواطنين في جميع المجالات وعلى وجه الخصوص التنقل والإقامة، والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، وممارسة المهن والحرف، ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والمعاملة الضريبية، وتداول الأسهم وتأسيس الشركات، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.

وفي مجال التعليم، حظي هذا القطاع باهتمام مجلس التعاون ومن ابرز المنجزات المشتركة، إنشاء الشبكة الخليجية لضمان جودة التعليم العالي واعتماد الدليل الاسترشادي للممارسات الجيدة والمساواة بين أبناء دول المجلس المقيمين في المعاملة في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الحكومية.

وفي المجال الصحي، حققت دول مجلس التعاون تعاوناً مثمراً فيما يتعلق بتبادل الخبرات والتقنيات الطبية والتنسيق فيما بينها للحفاظ على صحة شعوبها والتعامل المشترك في مكافحة الأوبئة، وكانت أبرز صور هذا التعاون خلال جائحة كورونا والتي شهدت تنسيقاً وتعاوناً كبيراً بين دول المجلس لمكافحة انتشار الفيروس ومواجهة تحديات الجائحة وتبادل المعلومات الحيوية والتحديثات الوبائية ومكافحة انتشار الفيروس من خلال إجراءات الحجر الصحي وتطبيق الإجراءات الوقائية.

إن الإنجازات التي حققها مجلس التعاون، على مدار 43 عاماً بفضل التكاتف والترابط والتعاون بين دوله الشقيقة، والتي هي محل للفخر والاعتزاز لكل مواطن خليجي، تبعث على التفاؤل والأمل إلى مواصلة وتعزيز هذه المسيرة المزدهرة والوصول بمجلس التعاون ككيان خلجي وعربي رائد إلى مرحلة التكامل والاتحاد، بعد أن تمكن المجلس منذ تأسيسه عام 1981 من توجيه طاقات دوله ومواردها لتحقيق منجزات هائلة لصالح الشعوب الخليجية.