- سلطان بن محمد القاسمي من رجالات العالم العربي القلائل الداعمين للثقافة والأدب والفنون

- الشارقة كانت ولاتزال ترفد المشهد الثقافي العربي في كل بقاع العالم العربي


د. فهد حسين:

حين نقدم الشكر إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فهذا قليل جدًا في حق سموه، فهو من رجالات العالم العربي القلائل الذين يسعون لدعم الثقافة والأدب والفنون داخل الإمارات وخارجها عربيًا وعالميًا، وما الحضور الإماراتي في كل من معرض باريس مؤخرًا والحضور الثقافي في البرازيل إلا تأكيدًا على هذا الدعم المادي المعنوي، هكذا حمل مسئولو الثقافة بدائرة الثقافة بالشارقة توجيهات سموه لتكون الشعل الثقافية والأدبية مشتعلة في كل مكان، حيث كان دور رئيس الدائرة الأستاذ عبدالله العويس وفريق العمل معه واضحًا وجليًا في تنفيذ الرؤية التي وضعها صاحب السمو نفسه.

إن اللقاءات الثقافية والأدبية عربيًا وعالميًا مستمرة، الدعوات كثيرة التي ترسل عبر وسائل الاتصال إلى الأفراد كتابًا ونقادًا ومبدعين للمشاركة في هذه اللقاءات التي تتمثل في المؤتمرات والملتقيات والندوات وغيرها من المحافل، وحينما الحديث عن ملتقيات الشارقة للسرد، فإنها كانت تقام سنويًا في الشارقة نفسها، ولكن بحكمة ثقافية وأدبية من لدن صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي الذي اجتمع مع المشاركين في الدورة الثالثة عشرة للملتقى ليطرح رؤاه تجاه هذا الملتلقى الي بات بعد اللقاء في حلة أخرى، حيث عقد خارج الشارقة على مدار دورتين متتاليتين، إذ أقيمت الدورة الرابعة عشرة في مدينة الأقصر بمصر، ودورة هذا العام الدورة الخامسة عشرة في مدينة الرباط بالمغرب، أي إن تعقد دورات الملتقى في العواصم العربية، فهذا يترجم روية صحاب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي تجاه الثقافة والمثقف، والكاتب والكتاب، والتواصل والاتصال بين المبدعين والنقاد، ليس العرب في أوطانهم، بل العرب الذين أجبرتهم الظروف أن يكونوا خارج دولهم، وكذلك المستعربين، وكل هذا يهدف لا شك في تعفيل الحراك الأدبي والثقافي عربيًا وتواصله مع الثقافات والحضارات الأخرى, إذ جاء عنوان هذه الدورة (الرواية الجديدة، تحولات وجماليات الشكل الروائي)، وبمشاركة العديد من النقاد والأدباء العرب والأجانب المستعربين الذين أسهموا بأوراق علمية ونقدية للمنجز الروائي العربي وفق محاور متعددة ومتنوعة.

إن انعقاد دورة ملتقى الشارقة للسرد في الرباط ليس بجديد على الشارقة التي كانت ولاتزال ترفد المشهد الثقافي العربي في كل بقاع العالم العربي، وما تأسيس بيوت الشعر في أكثر من دولة عربية إلا ليكشف لنا المنهج الفكري والثقافي الذي تنتهجه الشارقة، لهذا كانت المغرب هذا العام الدولة التي استضافت الدورة لمدة خمسة أيام كانت من أجمل الأيام التي قضيناها ونحن تحت قبة العطاء الثقافي والنقدي والتواصل الاجتماعي اليومي. ولسنا هنا في عرض الأوراق وتحليلها التي قدمها نخبة من النقاد والباحثين العرب، بقدر ما نحاول بيان الدور الكبير الذي تقوم به الشارقة تجاه الفعل الثقافي العربي.

وجاءت المشاركات بالبحوث والدراسات النقدية من الدول العربية: المغرب وموريتانيا وتونس ومصر والسودان والأردن والسعودية، بالإضافة إلى دولة الإمارات، أما البحرين فكانت المشاركة البحثية للناقدين ضياء الكعبي فهد حسين، كما أن هناك حضور لعدد من المبدعين والباحثين أيضًا عربًا وأجانب أيضًا، لذلك لم يكن الملتقى جامدًا أو مكتفيًا بتقديم الأوراق فحسب، وإنما كان فضاء الملتقى كله مملوءً بالنشاط الثقافي والمحاورات الأدبية وتبادل الأفكار والتجارب.

لقد جرت العادة في هذا الملتقى أن تقدم ورقة رئيسة في اليوم الأول من ناقد، وعليها تعقيب من ناقد آخر، وهذا ما حدث بالعفل في هذه الدورة، فمنذ الفعالية الأولى التي أدارها القاص والروائي والإعلامي العماني سليمان المعمري، بعد الافتتاح الذي أقيم في المكتبة الوطنية بندوة للنقد المغربي الدكتور عبداللطيف محفوظ، الذي تناول بعض الأعمال الروائية دراسة في سياق جماليات الرواية الجديدة ومناقشتها، واقفًا عند بعض المفاهيم الفلسفية والثقافية والنقدية، مثل: مفهوم الجميل، ومدى تمثله في النص الإبداعي، كالتجربة الجمالية، والعلاقة الجمالية، والسلوك الجمالي، بالإضافة إلى التفكير الجامع، موضحًا ذلك في عدد من الروايات العربية الحديثة، كرواية عزازيل، ورواية ساق البامبو، ورواية شوق الدراويش. أما التعقيب على الورقة فكان من قبل الناقد المصري الدكتور حسين حمودة الذي تميز بطرحه العلمي تجاه الورقة ودلالتها النقدية.

واستمرت الندوات بعد الندوة الرئيسة، وإقامة ندوة الطاولة المستديرة في المساء من اليوم نفسه، التي شارك فيها كل من الناقد البحريني الدكتور فهد حسين، والناقد السعودي الدكتور معجب العدواني، والناقد المغربي الدكتور رشيد الأدريسي، حيث كانت الجلسة معنية بالرواية والخصوصية الثقافية، إذ كانت لإدارة الناقد المغربي الدكتور يوسف فهري دور كبير في إثارة الأسئلة وطرحها على المتحدثين الذين قدموا رؤاهم تجاه العمل الروائي والخصوصية الثقافية، وقد أثنى الحضور على تلك الحوارات والطروحات التي اتفقت وتباينت مما شكل جسرًا ثقافيًا بين المتحدثين والحضور بعد الجلسة التي استمرت لمدة ساعتين كاملتين. أما الندوات التي أعقبت اليوم الأول، فقد كانت ثلاث جلسات صباحية والرابعة مسائية في اليوم الثاني والثالث مع أمسية شعرية أقيمت لعدد من الشعراء المشاركين في الملتقى، إذ جاءت جلسات اليوم الثاني متحدثة عن تطور التقنيات الروائية، وتقنيات الشكل الروآئي، والرواية بين حدود النوع والفنون الأخرى، وجلسات اليوم الثالث دارت حول الرواية التفاعلية، والظواهر الجديدة في الرواية، بالإضافة إلى عدد من الشهادات التي قدمت من قبل بعض المبدعين الروائيين العرب اليومين نفسهما.

إن إقدام الشارقة على تفعيل الدور العربي ومشاركة العديد من الكتاب والنقاد والمبدعين في هذه الملتقيات هو تحقيق بعض أحلام وتطلعات الكاتب العربي نفسه الذي يسعى جاهدًا لكون حضوره الثقافي عربيًا وليس محليًا، وهذا ما يلاحظه كل مشارك في هذه الملتقيات التي تؤكد على تجسير العلاقات الثقافية والأدبية بين الكتاب والمبدعين العرب من جهة، وتبادل الآراء والوقوف على التجارب والخبرات التي تسهم فيما بين المشاركين بشكل مباشر وغير مباشر، إذ أن هذا الفضل والفعل الذي تقوم به الشارقة بقيادة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتنفيذ محكم ومتقن من قبل رئيس الدائرة الثقافية ومعاونيه عامة وبالأخص الأستاذ عبدالفتاح صبري، والأستاذتين نورة وعائشة، بالإضافة إلى من يقوم بالعمل اللوجستي قبل انعقاد الملتقى وفي أثنائه، وبعد انتهائه، فلهم كل الشكر والتقدير لما يقومون به خدمة للمشهد الثقافي والأدبي العربيين، حيث إن إقدام الشارقة على إقامة المؤتمرات والمهرجانات المسرحية والملتقيات الأدبية والندوات طوال العالم، هو إقدام يعزز الرؤية الثاقبة التي تنادي بها الشارقة لما لهذه المحافل الثقافية المتنوعة من تحفيز الحراك الثقافي من جهة، وأعطاء فرص تبادل الأفكار والرؤى ونقل التجارب والخبرات من جهة أخرى، وهذا يعنى أن إقامة ملتقى الشارقة للسرد يعد محفلاً ثقافيًا وأدبيًا بامتياز، فهي لا تضيف إلى الشارقة فحسب، بل إلى المدينة التي يقام فيها هذا الملتقى، حيث البعد الحضاري والفكري والأدبي الذي يتمظهر بين الحين والآخر من قبل المشاركين والمتابعين لهذا الحراك النوعي في العالم العربي.

ولطالما أن مثل هذه الملتقيات والفعاليات تسهم في كيفية تطوير المشهد السردي العربي، ومدى التواصل من خلاله بالسرديات الأخرى في المشرق والمغرب، ومع النجاحات المبهرة التي تحققها هذه الملتقيات فإنني أقترح أن يخصص أحد الملتقيات لدراسة وبحث في السيرة وما تحمله من إشكاليات متعددة، حيث هناك وضمن الكتابات السردية، السيرة الروائية، ورواية السيرة، والتراجم، وهناك كتابة الفرد أو عن الفرد، أو العائلة أو المؤسسة، وهكذا دواليك، أما المقترح الآخر فيكمن في تخصيص محور من محاور كل ملتقى بعد تحديد العنوان الرئيس، أي يكون هذا المحور متناولا المشهد السردي الإماراتي، وهنا يتم تكليف عدد من الباحثين للكتابة عنه، وهذا يحقق رغبة الكتاب الإماراتيين في نشر منجهم الإبداعي وفي الوقت نفسه دراسته دراسة نقدية على صعيد العربي من أجل معرفة هذا الكاتب أو ذاك أين قف في مسيرة المشهد الإبداعي السردي العربي.

لقد أعطتنا الشارقة مجالاً لمعرفة الآخر بعدًا من خلال دراسة الأعمال الأدبية عامة والسردية بخاصة، وقربًا من خلال اللقاءات التي تقام في أثناء انعقاد الجلسات العلمية والنقدية، وعلى هامش الملتقيات التي أثمرت في المزيد من التواصل الثقافي والأدبي، فمرة أخرى تحياتي إلى كل القائمين على هذه الملتقيات التي أسهمت في بناء جسور معرفية بعدد المهتمين في العالم العربي والأجنبي وكتابًا ونقادًا ومبدعين عن قرب وبشكل مباشر.