قوبلت قرارات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في الفترة القليلة التي سبقت إجراء أول انتخابات برلمانية شهدها العهد الإصلاحي لجلالته بترحيب واسع وصدى شعبي كبير، إذ نتجت عن رؤية ثاقبة لجلالته وفرت الأجواء المواتية لعقد ثالث تجربة انتخابية ناجحة في غضون أقل من عامين، وذلك يوم الخميس 24 أكتوبر 2002 إثر نجاح الاستفتاء على الميثاق في 14 فبراير 2001، وتلاها الانتخابات البلدية الأولى في 9 مايو 2002.

ومهدت هذه القرارات المحورية المتوافقة مع الرغبة الشعبية الكبيرة، الطريق لأول تجربة ديمقراطية وطنية وليدة، لا سيما بعد العفو العام وإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة وتوسيع قاعدة المشاركة وإعلان البحرين مملكة في 14 فبراير 2002، وغيرها من أوامر وتوجيهات سامية من جلالته اثلجت صدور جميع من يعيش على هذه الأرض، ويقطف الجميع ثمارها الآن مع الاستعداد لإجراء خامس دورة انتخابات في 24 نوفمبر الحالي.

واتسمت دورة الانتخابات النيابية 2002 بالعديد من السمات التي فرضت عليها طابع التفرد، لأكثر من سبب، منها أنها أرست القواعد الجديدة لممارسة العمل السياسي في المملكة، وأسهمت في وضع اللبنات الأولى للبناء الدستوري والقانوني للدولة، ناهيك عن كونها فتحت آفاق المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار عبر أطر منظمة ومحددة، شرعية وقانونية، متفق عليها من أبناء شعب البحرين الكرام.

ويؤكد ذلك عدد من المؤشرات الدالة، أولها عدد المتقدمين للترشح لعضوية مجلس النواب الذي بلغ 191 مرشحاً ومرشحة، منهم 46 في الشمالية، و41 في الوسطى، و39 في العاصمة، و38 في المحرق، و27 في الجنوبية.

وثانيها حجم الكتلة الانتخابية التي شاركت في الانتخابات وبلغت نحو 243635 ناخباً وناخبة، وهو ما يزيد على إجمالي من كان لهم حق التصويت خلال الاستفتاء على الميثاق الذي بلغ نحو 217 ألفاً، منهم 40868 في العاصمة، وفي المحرق 44664، وفي الشمالية 72144، وفي الوسطى 72403، وفي الجنوبية 13556.

والمؤشر الثالث نسبة المشاركة في الانتخابات التي بلغت 53.48% من إجمالي الناخبين الذين يحق لهم التصويت، وهي نسبة تعد عالية حينذاك بالنظر للأجواء الإقليمية والدولية السائدة آنذاك، ونظرا لحداثة التجربة الديمقراطية الوطنية، والظروف التي تخللتها، وبالنظر أيضا إلى طبيعة التجارب الانتخابية الأكثر عراقة التي جرت في الفترة ذاتها، ولم تتجاوز نسبة المشاركة فيها الـ 50 %، ومن ذلك الانتخابات الفرنسية بنسبة مشاركة 40%، وكذلك سويسرا 43%.

وجاءت نسبة التصويت في المحافظة الجنوبية 72.58 %، ونحو 70.35 % في المحرق، وفي الوسطي 56.22 %، وفي العاصمة 50.74 %، وفي الشمالية 38.3 %، الأمر الذي عكس وقتها نجاح جهود المملكة في تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات، ودور الحملات التوعوية الكبير في حفز الناخبين على المشاركة بقوة فيها، ترشحاً وانتخاباً.

ولعل أكثر ما يثبت ذلك، أن دورة انتخابات مجلس نواب 2002 شهدت زخماً كبيراً من جانب قوى الشعب المختلفة الذي تفاعل مع العرس الديمقراطي بشكل مميز، سواء من جانب الأفراد أو الجماعات، وعمل الجميع بقوة على الاستفادة من الحدث لتعظيم المكاسب السياسية للناخبين والكتل المجتمعية الممثلة لهم.

والمعروف أنه قد كُفلت للجمعيات الوطنية آنذاك حق وحرية ممارسة العمل السياسي، رغم أن الخريطة السياسية كانت قيد التشكل، بعد أن صدر قرار رفع الحظر عن الجمعيات في شأن دعم المرشحين والدعاية لهم.

وأفاد هذا الوضع كثيراً بعض القوى السياسية التي كانت في مخاض عملية تكوين التحالفات وصياغة الرؤى والمواقف في هذه الفترة، ومكنها من إيصال بعض مرشحيها للفوز بمقاعد مجلس العام 2002، حيث فاز نحو 24 مرشحاً ممن ينتمون لهذه الجمعيات أو يحسبون على تياراتها الفكرية والسياسية.

ويمكن للتدليل على هذا الأمر الإشارة إلى ما حققته بعض الجمعيات السياسية من مقاعد وكتل نيابية في المجلس، خاصة تلك ذات التوجه الديني، التي لم يقل نصيب أي منها عن 5 مقاعد، كما لم يخلو المجلس الجديد من ممثل واحد على الأقل من مرشحي بعض الجمعيات الأخرى.

وإذا كان للتيار الديني نصيبه من جملة المقاعد النيابية في مجلس 2002، فإن التيار الليبرالي لم يتخلف هو الآخر عن ملاحقة الركب، حيث نجح ناخبوه في إيصال 6 مرشحين للمجلس، وكذلك المترشحون المستقلون الذين كان لهم نصيب لا بأس به من مقاعد أول مجلس نيابي منتخب في العهد الإصلاحي للعاهل المفدى، حيث بلغ عدد المقاعد التي فازوا بها نحو 16 مقعداً.

وبجانب ما حققه المجتمع من قوى وأفراد على الصعيد السياسي، فإن انتخابات 2002 كرست دور الرقابة والمساءلة المجتمعية باعتبارها من أهم مظاهر المشاركة ومحوراً من محاور الممارسة الديمقراطية، حيث شهدت هذه الانتخابات أول رقابة مجتمعية على كل مراحل العملية الانتخابية حتى فرز وإعلان النتائج، وذلك بعد أن سُمح لجميع مؤسسات المجتمع المدني المرخص لهاً قانونا بالمشاركة في الإشراف على سلامة الإجراءات الانتخابية، وأصدرت تقريراً مهماً في هذا الشأن أشاد بنزاهة العملية الانتخابية برمتها.

لقد عكست الدورة الأولى من انتخابات نواب البحرين العام 2002 حقيقة الحراك الشعبي داخل المجتمع ومدى الديناميكية السياسية التي يتمتع بها.

فمن جهة، حمل المترشحون قضايا واهتمامات الناس إلى ساحة العمل السياسي والتنفيذي معاً، ولا سيما منها ما يتعلق بملفات التوظيف والتشغيل والبطالة والمال العام وغيرها، بالنظر إلى جملة ما قدمه النواب في الفصل التشريعي الأول وتم رفعه للحكومة، وبلغ 276 مقترحاً برغبة ردت الحكومة على 133، منها 123 تمت الموافقة عليها، أي بما نسبته 92% من المقترحات برغبة.

كما تم توجيه 400 سؤال جرى الرد على 334 منها، علاوة على 77 مقترحاً بقانون رفعه ممثلو الأمة، هذا غير ما أحالته الحكومة ذاتها لنواب السلطة التشريعية بمجلسيها من مشروعات قوانين، وناقشه النواب وطُرح أمام الرأي العام للتداول والرأي ثم وافقوا على بعضه، وبلغ في مجمل أدوار هذا الفصل التشريعي الأول 157 مشروع قانون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ومن جهة ثانية، فإن المرشحين الفائزين بعضوية أول مجلس تمثيلي في ظل المشروع الإصلاحي جسدوا حقيقة وطبيعة التنوع الذي يتمتع به المجتمع من حيث التركيب النوعي والعمري والمهني، فضلا عن التوزيع الفكري والسياسي، ناهيك عن القدرة على تكتيل وتجميع الرأي العام لتمثيل ما يعرف بالفئات الخاصة، ويأتي على رأسها: المرأة.

وللتدليل على هذا، يشار إلى أن نسبة الجامعيين من مجموع المترشحين وصلت إلى 70%، منهم 40 % من حملة الماجستير والدكتوراه، وتراوحت أعمار المتقدمين بين 33 و80 عاماً، وبلغ عدد رجال الدين 10، والمحامين 8، ورجال الأعمال 10، والصحفيين 4، والأطباء 3، والرياضيين 5، والمدرسين 5، إضافة إلى مهندسين وتجار ومهن أخرى.

هذا فضلاً عن ترشح 8 نساء، 3 في كل من العاصمة والشمالية، وواحدة في كل من المحرق والجنوبية، وهي أول مشاركة للمرأة الخليجية ـ ترشيحاً وتصويتا ـ في الانتخابات، وقد تأهلت اثنتان منهما لطيفة القعود في الجنوبية وفوزية الرويعي في الشمالية لجولة الإعادة التي أجريت يوم الخميس 31/10/2002.

وحظيت انتخابات مجلس نواب عام 2002 باهتمام واسع النطاق، خاصة من جانب الدوائر الدبلوماسية والإعلامية العالمية التي أشادت بالتجربة باعتبارها تحولاً فريداً في المنطقة ككل، ليس في البحرين فحسب.

كما أن التجربة وما حفلت به من تفاعل بداية من الاستعداد لها ومرورا بفتح باب الترشح لها في 14/9/2002 وحتى استكمال النواب مدتهم البرلمانية، والتحضير لدورة انتخابات 2006، دعمت فاعلية المجلس ككيان تمثيلي استطاع أداء مهامه التشريعية والرقابية بكفاءة، ومهد الطريق لممارسة ديمقراطية سليمة، واستطاع أن يقود العمل النيابي مستقبلا، ويواصل النجاح حتى الوقت الحاضر.