د. شمسان بن عبدالله المناعي


اللغة ليست هي مجرد كلمات وجمل ننطق بها للتواصل مع الغير والتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا للآخرين إنما هي وعاء لهوية المجتمع وثقافته تعمل على بقائه فهي بموقع الروح في الجسد إذا خرجت منه أصبح بلا قيمة ولذا فان لغتنا العربية ترسخ الهوية الوطنية وتخاطب ذاكرة العربي ووجدانه وعقله وروحه ومخيلته «فالهوية العربية الإسلامية ليست قضية اختيار أو أن تلغيها مؤسسات طامعة، أو مسؤولون حاقدون على العروبة والإسلام». أن التنشئة الدينية للأطفال تتطلب وجود المهارة اللغوية بالعربية التي هي لغة القرآن الكريم حيث يقول: المولى سبحانه وتعالى. «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تعقلون»، من سورة يوسف. ويقول كذلك المولى عز وجل «ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ»، سورة النحل «الآية: 103»..

لذا من الواجب أن يتعلم الطفل اللغة العربية الفصحى منذ مرحلة الطفولة ومن الملاحظ أنه في عصر العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية أخذت بعض الأسر إلى توجيه أبنائها منذ الطفولة إلى تعلم اللغة الإنجليزية في مدارس خاصة لاعتقادهم أن مستقبل الطفل يتوقف على تعلمه هذه اللغة وأهم من ذلك أخذت المدارس الخاصة تأخذ باللغة الإنجليزية في مناهجها التعليمية ومعروف أن الطفل سريع التعلم والاكتساب ولذا تصبح لديه تعلم أي لغة أخرى سهل علية ولم يعِ الآباء والمربون أنهم بذلك يزجون بأطفالهم إلى التغريب عن ثقافتهم الأصلية.

لذا أصبحت لدينا ظاهرة الهيمنة اللغوية وهي تلك الظاهرة التي تسيطر على عقول شعب معين تجاه لغة أجنبية مهيمنة على لغتهم الأصلية، بحيث يعتقدون أنه يجب عليهم استخدام اللغة الأجنبية في تعاملاتهم اليومية، وفي نظامهم التعليمي، والمعاملات الحكومية والقضائية والإدارية، إن الهيمنة اللغوية تتبع منهجية تمكنها من السيطرة حتى على عقول النخبة، بحيث يظن المرء بأن لغته الأصلية لا ترقى إلى مصاف اللغة الأجنبية المهيمنة وبذلك يبدأ العزوف عن اللغة الأصلية واحتقارها وفي ذلك أضرار سلبية على مستقبل ثقافة المجتمع لقد أدركت الأمم دور اللغة في الحفاظ على هويتها انظر مثلاً للتجربتين الكورية والصينية، فهذه الشعوب تحترم لغتها الأم؛ ورغم تفوقها المهني على هويتها وكيانها، وتكتسب احترام العالم. اليابان مثلاً مستوى اللغة الأجنبية في بلدها، على حساب لغتها الأم؛ بل حافظت على لغتها، وأتاحت لقلة من مواطنيها إتقان اللغة الأجنبية، حتى تنقل التقدم التكنولوجي إلى اللغة اليابانية،


إن اللغة الإنجليزية التي تعتمد في أغلبية دول العالم تغلغلت من خلال الألعاب الإلكترونية في عقول الكثير من الأطفال وساهمت بعض الأسر في تخلي أبنائهم عن لغتهم الأصلية والجنوح إلى لغة دخيلة بدعوى الموضة والشعور الزائف بالتمدن.

ومن الملفت للنظر أنه إذا تعلم طفلها في الروضة أو المدرسة اللغة الإنجليزية وأتقنها فرح الأهل بذلك وما علموا أنهم بذلك يمهدون للطفل بأن يغترب عن ثقافة وطنه وساهمت بعض الأسر سواء بقصد أو بدون قصد في تخلي أبنائهم عن لغتهم الأصلية والجنوح إلى لغة دخيلة بدعوى الموضة والشعور الزائف بالتمدن وما علموا أن في هذا تهميش للغة العربية الأم لدى الجيل الجديد.

ومن المهم أن نعرف أن اللغة تعمل على بناء الشخصية للطفل وتكاملها في جميع الجوانب مثلاً أن النمو اللغوي يساير النمو العقلي حيث متى ما علمت الأسرة أطفالها في سن مبكرة أي من اللغات الأجنبية يصبح بعد ذلك صعوبة تعلم لغته الأصلية أما إذا تعلم اللغة الأصلية العربية بعمق وأصالة في البداية بإمكان الطفل فيما بعد تعلم أي لغة أخرى ولا يؤثر ذلك على تعلمه اللغة العربية وكما يقولون «العلم في الصغر كالنقش في الكبر».

كذلك اللغة العربية تختلف عن كل لغات العالم لما فيها من جماليات ولذلك كانت معجزة القرآن الكريم المحلية للعرب هي المعجزة اللغوية أننا إذا ما استمرينا في هذا الاتجاه والأخذ باللغات الأجنبية سواء في التعليم أو العمل أو في أي موقع آخر لغات أساسية غير لغته فلا ننتظر ألا يكون من يمثلنا في المستقبل إلا جيل غريب عن ثقافتنا العربية الإسلامية.