أكدت دراسة في جامعة البحرين أن التمثيلات الثقافية في رحلة ابن بطوطة جاءت انعكاساً للواقع إلى حد كبير، وليست بناء على تصورات سابقة فحسب، مشيرة إلى أن شخصية ابن بطوطة ووظيفته كقاض، كان لها دور كبير في حياده لنقل ثقافات الشعوب، وعاداتهم.

ووجدت الدراسة - التي أعدتها الطالبة في برنامج ماجستير اللغة العربية بكلية الآداب في الجامعة دلال راشد الذوادي - أن ابن بطوطة اعتمد على المشاهدة والمعاينة فيما دوَّنه عن الشعوب والأماكن التي زارها ومر بها.

ووسمت الدراسة - التي قدمتها الطالبة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في اللغة العربية - بعنوان: "تمثيلات الهُوية والغيرية في (تحفة النُظَّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) لابن بطوطة - مقاربة سردية ثقافيَّة".



وقالت الذوادي: "تعد رحلة ابن بطوطة مرجعاً ثقافياً للقرون الوسطى، فقد تجلت عنده المثيلات الثقافية في أبهى صورها، ويعود ذلك إلى دقة عبارته، وجمال لفظه، ودقة الوصف الذي وظفه لنقل هذه الثقافة، فكانت مذكراته العامل الأساسي في نقل هذه التمثيلات الثقافية آنذاك".

وسعت الدراسة التي أشرفت عليها رئيسة قسم اللغة العربية والدرسات الإسلامية في الجامعة الدكتورة ضياء عبدالله الكعبي، إلى بحث رحلة ابن بطوطة في سياق أفقها الثقافي، متجاوزة البنية والوصف إلى التأويل، أي تأويل تمثيلات السرد في ضوء نظرية النقد الثقافي، ومن ثم دراسة الخطاب السردي، بوصفه مغامرة الذات لاستكشاف المعرفة.

وكانت لجنة امتحان ناقشت الطالبة في أطروحتها مؤخراً وتألفت من: أستاذة السَّرديات والنقد الأدبيِّ الحديث المشاركة رئيسة قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية الدكتورة ضياء عبدالله الكعبي مشرفةً، وأستاذ الأدب والدراسات النقدية الحديثة بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين الأستاذ الدكتور عبدالفتَّاح أحمد يوسف ممتحناً داخلياً، وعضو هيئة التدريس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء في المغرب الأستاذ الدكتور شُعيب حليفي ممتحناً خارجياً.

ولفتت الباحثة إلى أن ابن بطوطة، أولى الإنسان أهمية كبرى في سياقات السرد والوصف المتنوعة التي دونها أثناء رحلته، فركز على تفاعله مع الطبيعة وظروفها، وكذلك العلاقة بينة وبين المكان، فرسم صوراً للحياة الاجتماعية وما كانت عليه.

وبحسب نتائج الدراسة فإن ابن بطوطة استند في سرده لأحداث الرحلة على مبدأ التذكر التراجعي، واجترار الأحداث من خلال ما تختزنه ذاكرته من مواقف راسخة، ومحاولة استرجاع الأحداث من خلال ما يتعلق بالذهن، وذلك لربط الأحداث بعضها ببعض. في حين اتبع في بعض المواقف السرد الارتجالي، الذي ظهر جلياً في القول، وتوالي فعل السرد بين الفضاء الزماني والمكاني، الذي يشكل الإطار الخارجي للرحلة.

وأفادت النتائج أيضاً، بأن الرحالة ربما مزج بين جميع هذه التقنيات السردية - الحوار والوصف والمكان والشخصيات - في سرده لتمثل ثقافة الأنا، وثقافة الآخر، مما يؤثر في المتلقي تأثيراً بالغاً.

وخلصت الباحثة إلى القول بأن نص رحلة (ابن بطوطة) جاء نصاً قصصياً سردياً من الدرجة الأولى، يروي الأحداث ويصوِّرُ الشخصيات، مع التنوع في الأسلوب بين السرد القصصي المشوق، والوصف الدقيق للواقع الذي يحرك المشاعر والعواطف، كما أنه اشتمل على تقنية الحوار.

صور