بلومبرغ + وكالات


يسجّل تدفق النفط الروسي إلى الولايات المتحدة أرقاماً قياسية، رغم التوتر السياسي بين الجانبين، والذي بلغ ذروته بعدما وصف الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه "قاتل"، متوعداً بتكبيده "ثمناً" لتدخله في الانتخابات الأميركية، وبالردّ على هجمات إلكترونية اتهم بايدن موسكو بشنّها على بلاده.

وأفادت وكالة "بلومبرغ" برسوّ ناقلات تحمل نفطاً روسياً، في مصفاة لشركة "إكسون موبيل" في بايتاون بولاية تكساس. وأضافت أن هذا المجمّع الضخم ليس المصفاة الأميركية الوحيدة التي تتلقّى شحنات من النفط الروسي، الذي يصل أيضاً إلى منشأة شركة "شيفرون" في موبايل بولاية ألاباما، ومنشأة شركة "فاليرو إنرجي" في سانت تشارلز بولاية لويزيانا.

وأشارت الوكالة إلى أن مصافي التكرير الأميركية تحوّلت إلى النفط الروسي، في عام 2020، بعد حظر الخام الفنزويلي نتيجة العقوبات التي فرضتها واشنطن على نظام الرئيس نيكولاس مادورو، ومواجهتها انخفاضاً في الشحنات من دول منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، منذ خفّضت المنظمة إنتاجها لدعم الأسعار.


وقال بوب مكنالي، وهو مستشار سياسي بارز سابق في البيت الأبيض، يدير الآن "رابيدان إنرجي غروب"، وهي شركة استشارية في واشنطن: "احتلال روسيا المركز الثالث لم يثر أي اهتمام في واشنطن".

"نورد ستريم 2"

ولفتت "بلومبرغ" إلى أن الاعتماد المتزايد للولايات المتحدة على النفط الروسي، يتعارض مع دبلوماسية الطاقة الأميركية. ففي السنتين الماضيتين، ضغط أعضاء في الكونغرس على دول أوروبية، للتخلّي عن مشروع "نورد ستريم 2"، وهو خط أنابيب يكلّف مليارات الدولارات، لنقل الغاز الروسي من سيبيريا إلى ألمانيا، خشية أن يمكّن الكرملين من تعزيز نفوذه على حلفاء للولايات المتحدة، علماً أن الغاز الروسي شكّل نحو 45% من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي، في عام 2019.

وسمح الكونغرس العام الماضي باستخدام العقوبات ضد الشركات المشاركة في المشروع. لكن إدارة بايدن لم توضح إذا كانت تبحث اعتماد هذا الخيار.

ونقلت "بلومبرغ" عن مارك فينلي، وهو محلل سابق لقطاع النفط في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، يعمل الآن باحثاً في "معهد بيكر" في "جامعة رايس" في هيوستن، قوله إن الأكثر أهمية في الأمر، قد يكمن في أن الارتفاع الهادئ في واردات النفط الروسية، يُظهر سقوط شعار "الاستقلالية في الطاقة"، الذي دافع عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

وخلال حملته الانتخابية العام الماضي في تكساس، تباهى ترمب بأن الولايات المتحدة هي "القوة العظمى الأولى في مجال الطاقة"، مضيفاً أنها لن تُضطر مجدداً إلى الاعتماد على مورّدين أجانب "معادين".

"دهاء" روسي

وفي فبراير 2020، فرضت إدارة ترمب عقوبات على مؤسسة تجارية تابعة لشركة "روس نفط"، وهي مملوكة للدولة في روسيا وأضخم شركاتها النفطية، معتبرة أنها تؤمّن شريان حياة مالي لحكومة مادورو. ولكن لم تستهدف واشنطن كيانات روسية أخرى، ممّا يعني أن الشركات الأميركية تستطيع مواصلة شراء الخام والمنتجات المكرّرة من روسيا.

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن تحوّل روسيا إلى أحد أبرز مورّدي النفط للولايات المتحدة، تحقق من خلال "دهائها" في السوق، وحظها، وقدرة الكرملين على تحويل سياسات واشنطن لمصلحته.

وطيلة سنوات، لم تتجاوز حصة روسيا نسبة 0.5%من الواردات السنوية للولايات المتحدة من النفط والمواد المكرّرة. لكن موسكو زادت حصتها بشكل مطرد خلال العقد الماضي، لتبلغ أعلى مستوى لها، مسجّلة 7% العام الماضي، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ".

وبلغ متوسّط ​​واردات الولايات المتحدة من روسيا 538 ألف برميل يومياً، في عام 2020، في مقابل ​​522 ألف برميل يومياً من المملكة العربية السعودية.

مكاسب روسيا تحققت، في جزء كبير منها، على حساب فنزويلا. فمصفاة "إكسون" في بايتاون هي واحدة من عدة مصافٍ في الولايات المتحدة، مجهّزة بوحدات خاصة لمعالجة النفط الخام الكثيف، الذي يتضمّن نسبة مرتفعة من الكبريت، مثل ذاك الذي تنتجه فنزويلا.

"مازوت 100"

وعندما فرضت إدارة ترمب عقوبات على شركة النفط الوطنية الفنزويلية، في عام 2019، تعطّلت سلاسل التوريد الخاصة بالمصافي الأميركية.

وقال آدي إمسيروفيتش، وهو باحث في "معهد أكسفورد لدراسات الطاقة" والرئيس العالمي السابق لتجارة النفط في شركة "غازبروم" الروسية العملاقة: "مصافي التكرير الأميركية في خليج المكسيك، هي من أكثر المنشآت تطوّراً في العالم. وبعدما خسرت الخام الفنزويلي، وواجهت صعوبة في الحصول على مواد أولية من المورّدين التقليديين في أوبك، وارتفاعاً في تكلفتها، باتت زبوناً أساسياً لزيت الوقود الروسي، بوصفه بديلاً".

وما تشتريه مصافي التكرير الأميركية من روسيا ليس خاماً في الغالب، بل هو زيت وقود شبه مكرّر، يُعرف باسم "مازوت 100" ويتميّز بأنه لزج. وأشارت "بلومبرغ" إلى أن هذا المازوت هو من بقايا العهد السوفياتي، ويُستخدم في روسيا غالباً للتدفئة في المنازل. ولكنه استُخدم في الولايات المتحدة لإنتاج البنزين في المصافي.

وكانت شركة "فاليرو إنرجي" أبرز مستورد أميركي للنفط الروسي العام الماضي، بنحو 55 مليون برميل، تلتها "إكسون" بنحو 50 مليون برميل. وشكّلت الشركتان نحو 50% من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط الروسي، وفقاً لبيانات الجمارك.

حظر النفط الروسي؟

ولفتت "بلومبرغ" إلى تفاقم مشكلات الإمدادات الناجمة عن نقص الخام الفنزويلي، نتيجة خفض "أوبك" إنتاجها. ونقلت عن مستشارين، ومحللين، وأعضاء في جماعات ضغط، يعملون في صناعة تكرير النفط، قولهم إنهم لم يلاحظوا أي قلق في واشنطن بشأن زيادة الواردات الروسية.

ورجّحت الوكالة أن يتغيّر ذلك، بعدما وصف بايدن بوتين بأنه "قاتل"، مهدداً بأنه سيدفع ثمن تدخله في الانتخابات الأميركية.

وقال ماكنالي إن البيت الأبيض قد يبحث فرض حظر على واردات النفط الروسية، في إطار مراجعة أكبر للعقوبات المفروضة على موسكو، في الصيف المقبل، رغم أن قلة في هذا القطاع تعتبر ذلك احتمالاً جدياً.

وذكرت الوكالة أن النفط السعودي قد يحلّ مكان ذاك الروسي، إذا زادت المملكة من إنتاجها في الأشهر المقبلة، كما يتوقع كثيرون. كذلك الأمر بالنسبة إلى نفط الكويت والعراق. وإن لم يكن الأمر كذلك، فستبقى المصافي الأميركية بحاجة إلى النفط الخام الكثيف، لمعالجته. وثمة خيار النفط الخام من الرمال في كندا، لكن مصافي التكرير الأميركية تشتري على الأرجح الكمية المتاحة منه.