*الذي يزور طيبة الطيبة «المدينة المنوّرة» وبعد انقطاع طويل، يشعر بشعور غريب، شعور «التقصير» في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمحبته تقتضي ألا تُهجر تلك الأرض المباركة الطيبة التي مشى عليها صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فكل بقعة فيها تحكي قصص الحياة والتربية والتعليم، وقصة منهاج دولة رسم ألوانه عليه الصلاة والسلام. إنه الشوق والأحاسيس الدافئة لأرض طيبة تصل بمشاعرها إلى الجمادات التي خاطبها صلى الله عليه وسلم بحب وحنين. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن جبل أحد في المدينة: «إن أحد جبل يُحبنا ونُحبه». وصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذات يوم ومعه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم، فرجف به، فضربه برجله وقال: «اثبت أحد، فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيدان».

وهناك قباء أول مسجد بني في الإسلام، فعندما تمشي في طريقه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم القائل: «من تطهّر في بيته، ثم أتى مسجد قباء، فصلّى فيه ركعتين، كان كعمرة». فإنك حينها تستحضر جمال المسير وجمال الأثر الذي تركه صلى الله عليه وسلم في كل بقعة من أرجاء المدينة. في المدينة المنورة سكينة وطمأنينة وحُب وأجواء تعيشها بمعية الحبيب صلى الله عليه وسلم وكأنك بينه. إنها الزيارة التي يجب ألا تنقطع، وأن تكون ديدن حياتك بين الحين والآخر. فهي لون جميل من ألوان سعادتك.

*من ألوان سعادتك التي تختارها في أيام مسير حياتك، هو ذلك اللون الذي يسكب أثره في نفسك ذلك الشخص الحنون المُحب لك، المُحب لعطائك وقُربك وحنانك وابتسامتك التي لا تنقطع عن تقاسيم وجهك، هو ذلك الشخص الذي يحسّ بك في شدائد ومُلمّات الحياة، هو الذي لا يهجرك بمجرد اختلافه معك في آراء الحياة المختلفة، هو الشخص الذي لا يقبل «الزعل» بينك وبينه، لأنه على يقين بأن قلبك وقلبه ينبضان بالمحبة الصافية والعطاء الدائم، الذي يرجع إلى محبة الله عز وجل وابتغاء الأجر من عنده. هذا اللون الجميل يرسم ابتسامة حُب دائمة تتبادلها معه، وتفهم أساريرها بدون أن يقدم لك المزيد من الإيضاح. ابتسامة الدفء والسعادة التي تحتاجها من أجل سلامك الداخلي. هذا اللون الذي تبحث عنه، بل تعشقه في كل مكان، في أسرتك ومسجد الحي ولقاءات زملائك، ومحيط عملك، وكل الحياة التي تتعامل معها بحُب.

*لون جميل تعشقه هي تلك الطاقة المُتلونة بإحساس الحياة العامر بالأثر الجميل، والذي يتجدد مع كل أنفاس الحياة، فنفسك تُسعد في ذلك المكان المليء بالطاقة الإيجابية، وأولئك المُبدعون الذين تستند عليهم في أيام حياتك، فهم العون المباشر لك في كل قراراتك. الطاقة الجميلة في ذلك المكان المليء بالأفراد الذين يبتغون لك الخير، ويشاركونك نجاحات الحياة. أما طاقة المكان فهي مساحة الراحة التي تختارها لتُسعدك، فإن كان فيها بعض بصمات السلبية المُقيتة لبعض من مروا فيها في سالف الأيام، فعليك أن تتخلص منها سريعاً وتبدأ في رسم الألوان التي تُحبها وتعشقها من أجل أن تكون نفسك أكثر أريحية وإنتاجية في عطاء الأيام.

*سبحان الله في بعض الأحيان يُقدر المولى لك أن تعيش في محيط بعض الألوان العشوائية المُبهمة التي لا تعطيك سكينة وطمأنينة في نفسك. ولكن قدر الله عز وجل ومحبته لك تُمحص هذه الألوان ولو بعد حين. في لحظات أحسست فيها بانزعاج، ولكن تعايش بعدها تغيرات كبيرة في المحيط التي تعيشه ومع الأفراد الذين تتعامل معهم، وتدرك حينها أنها بدايات التغيير الإيجابي التي تعطيك المزيد من الأمل للنجاح المرجو ولتحقيق النمو الحقيقي في حياة العطاء. إنها لحظات التمحيص و«التخلي» عن بعض مساحات حياتك المُزعجة، وعن بعض العلاقات المُترهلة التي كانت في الفترة الماضي وخزات ألم لمشاعرك التي لم تعد تتحمل المزيد.

إيمانك بالله عز وجل ويقينك بقدرته على أن يُبدل أحوالك، ويُجدد لحظات مسيرك المُثرية بأجمل مساحات الأثر وبأجمل ألوان السعادة، هو الذي يعطيك الدافع الحقيقي لكي تواصل تحقيق آمالك وإنجازاتك من أجل أثر الحياة الخالد، ومن أجل إنسانية الإنسان التي نعيش من أجل أن نكون من خلالها خير خلفاء الله تعالى في الأرض، ننتج من أجل حصاد الآخرة، ونرسم الأمل في حياة الآخرين، ونحسن الظنون لنكون أقوياء بذواتنا، ونضع أيادينا في أيدي المُحبين للخير، لنكون معهم قلباً واحداً نابضاً بالخير والعطاء، يهمنا أن يرضى الله عنا، وأن نكون خير سفراء للإنسانية جمعاء.

ومضة أمل

كن كما أنت بإنسانيتك وأثرك المعهود، لا تتغير مهما تغيرت ظروف الأيام.