"اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله". هكذا نستقبل رمضان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أقبل شهر الخير والبركة، ودخلنا سريعاً في أجوائه، ومع قصر اليوم تتسارع لحظاته وتخطف منا أجمل اللحظات. رمضان أقبل فأقبلت أرواحنا على أبوابه لاغتنام كل لحظة فيه في الخير، من أجل أن نكون في مراتب الخير العليا في الدنيا، وفي الآخرة في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقاً.

عندما يُقبل رمضان نستذكر عبق الماضي الجميل، الذي كنّا فيه طيوراً تُغرّد في الخير وتجوب الطرقات لتلتقي بنفوس غابت عنها في أيام الحياة، ولكن أعادها شهر رمضان إلى محطتها الجميلة، محطة الخير والاستقامة والسعادة النفسية، التي لا نحصل عليها إلا في شهر رمضان، فهو شهر التطهير والعتق من النيران، وشهر الرحمة والمغفرة، وشهر الطمأنينة والسكينة، وشهر صلة الأرحام والالتقاء على موائد الخير. هو شهر تشتاق فيه لتلك النفوس التي عاهدتك على أن تكون معك في مسير الحياة، فتتعاهد فيها على الخير في مساحات بيوت الرحمن، في الصلوات وفي صلاة التراويح والقيام والاعتكاف، وكلها لحظات طمأنينة وسكينة تشتاق لها النفوس في مدرسة رمضان.

ولرمضان مع القرآن لحظات جميلة، لم لا وهو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، والذي تجمّلت السماء الدنيا بنزوله، وتجمّلت الأرض بمعانيه، وتجمّلت الحياة بالدستور الخالد لكافية تفاصيل حياة الإنسان. نزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ليلة القدر المباركة التي سنكون على موعد لتحريها في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم "اللهم بلغنا يا رب". لمعاني القرآن في رمضان نكهة خاصة وعبق خاص لا يتكرر في كل أيام حياتك، فعليك أن تكثر من التلاوة كما كان ذلك ديدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، فتتدبر وتتأمل الآيات وتقرؤها بقلبك وأحاسيسك، حينها ستعيش حياة أخرى، وستتأمل حياتك التي تمضي سريعاً وأنت لا تعرف ماذا قدمت فيها من أعمال خير. اجعل جلّ أوقاتك مع كتاب الله الكريم ففيه الخير والبركة وتنمية لإحساس الآخرة.

في مدرسة رمضان عودة لتقييم النفس في علاقتها مع المولى الكريم، وأجمل علاقة تلك الصلاة الرابط الروحاني المباشر مع المولى الكريم، فهي التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: "جُعلت قرة عيني في الصلاة"، وأمر بها بلال: "أرحنا بها يا بلال". وذكّر فيها أمته: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء". عجبي من أولئك الذين يهرولون لتلك المساجد التي تنتهي بسرعة في صلواتها وبخاصة في صلاة التراويح والقيام. كنا من قبل ومازلنا نبحث عن دقائق أكثر لنكون في رحاب المساجد، نهدأ ونهرب من ضغوطات الحياة وروتين الحياة الممل، فنصلي ما تيسر لنا، ونقرأ القرآن، ونذكر الله، وننوّع من العبادات، همّنا "الصلاة" وليس همّنا "متى تُقام الصلاة". همّنا أن نكون مع الله، نُصلي بخشوع وتدبّر للآيات، ونسبّح فيها، وندعو ما تيسّر لنا في السجود وبعد التشهد، ونستثمر وقت إجابة الدعاء بين الأذان والإقامة. هنا يأتي التغيير في رمضان بأن تصنع لنفسك مساحة جميلة من التغيير الإيماني الذي تحتاجه لبقية حياتك، بأن تصنع تغييراً جذرياً عن حياة عادية تسير في أجوائها، ولابد أن يكون لك بقعة أُخرى مُغايرة بالكامل عن تلك التي تعوّدت عليها. استغل وقتك في المسجد في لحظات ثمينة غالية لا تعوّض ولا تنظر للساعة، بل انظر ماذا قدّمت من طاعة، حينها تستطيع أن تعرف كيف تغيّرت نفسك.

للصدقة في رمضان شأن آخر، تذكّر النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان جواداً كريماً، وأكثر ما يكون جوده في رمضان فقد كان كالريح المُرسلة، وتذكّر حديثه عليه الصلاة والسلام: "من فطّر صائماً كان له مثل أجره". وتذكّر صدقة كل يوم "اللهم أعطِ مُنفقاً خلفاً" وتذكّر مضاعفة الأجور في الصدقات "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يُضاعف لمن يشاء". هو الأثر الذي تسعى إليه في شهر الخير، عندما تُنفس كربة، وتسعى في حاجة الآخرين، وحاجة أولئك الذين تعكر صفو حياتهم بكثرة الديون وقلة المال. أنت هنا لتترك الأثر، وتُجهز حالك ليوم الحصاد، وتُبارك في مالك وفي حياتك بهذه الصدقة.

ومضة أمل:

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك في هذا الشهر الكريم، واجعلنا ممن يصومه ويقومه إيماناً واحتساباً، وبلّغنا ليلة القدر واجعلنا ممن يقومها إيماناً واحتساباً.