في جميع محطات مسير حياتك تكتسب المزيد من الخبرات، والمزيد من النضج في التعامل مع مختلف المواقف، والتعامل مع مختلف الأشخاص الذين يسيرون معك. هذا النضج يستلزم منك أن تعود مُجدداً لمراجعة كافة حساباتك من أجل أن تنعم «بالسلام الداخلي»، ومن أجل أن تحافظ على تماسك مشاعرك في كل موقف يمر عليك. الحياة علّمتنا أن لا نُكرر الدخول في بعض الجزئيات الصغيرة في كل حدث مع أناس لا يتنازلون عن آرائهم وأفكارهم، لأنك حينها تسعى لأن تكون «أنت الفائز» بانسحابك وتجنبك الدخول في معترك نفسي داخلي يؤثر بلا شك على «مزاجك» ويؤثر على عطاء الأيام. هنا يكمن الاهتمام بسُلم الأولويات عندما تقرر أن تشارك في الحدث، أو أن تكون صامتاً مُتفرجاً تُصفق للصورة النهائية التي ستكون هي نتاج تمازج الأفكار. وعليك أن تعرف أين ستكون، وكيف ستتصرف، وكيف ستحافظ على سمتك العام في المواقف. نحتاج أن لا نكرر العودة للخطأ مُجدداً فيما لا ينفع.

للعمل الإداري ميزان حسّاس جداً في حياتك، فإن أحسنت التصرف في المواقف وأخذ القرارات المناسبة في كل موقف، فأنت حينها ستُحسن ترويض نفسك لتكون مُستعداً للثبات والاتزان النفسي. تحتاج إلى نضج أكثر للتعامل مع مستلزمات العمل الإداري، فيكفي أن تتعامل مع أمزجة مختلفة الطبائع، ومختلفة في تعاملاتها اليومية، ولربما كانت مُبتعدة كل البعد عن «مصلحة العمل» بقدر ما يهمها مصلحتها الذاتية التي تهرول من أجلها فقط، وتقتنص كل فرصة من أجل «ذاتها فقط» لا من أجل أن تكون أثراً إيجابياً في محيط عملها. نحتاج أن نكون أكثر وعياً في كل موقف حتى لا يؤثر سلباً على محيط العمل، ومن أجل أن نحافظ على هوية المكان وسمته ورؤيته، فهو الذي سيبقى في نهاية المطاف.

تأتيك في بعض الأحيان كلمات بسيطة في إطار قيم «جبر الخواطر» وأنت تحتاجها حقيقة مهما تقدمت بك أعمار الحياة، وما أجملها عندما تأتيك من بعض البُسطاء الذين يبحثون عن مواطن «السكنية والطمأنينة». تتحقق في رمضان وبخاصة في «صلاة التراويح» معاني الإخاء «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، ومعاني المحبة التي يسبغها المولى الكريم بلا مقدمات في نفوس عباده. تقدم أحدهم بابتسامته الجميلة بعد أن انتهينا من الصلاة في ليلة من ليالي التراويح العطرة في رمضان الحبيب وجبر الخاطر بكلماته: «ما أجمل هذا المكان والصلاة فيه، نرتاح لنصلي هنا». وآخر أتاني وعينه تقطر دمعاً: «رمضان هذا العام غير، لقد تعلّمت كيف أقرأ القرآن الكريم تلاوة وتجويداً». وآخر: «وقت جميل لصلاة التراويح هنا، فكرة جميلة لهذا التوقيت، يعطينا فرصة للراحة والمزيد من الطمأنينة في الصلاة». سيظل رمضان مدرسة للخير والاستئناس بالآخرين، الذين هم يبحثون معك عن مواطن الخشوع والسعادة النفسية. وفي رمضان تتعدد فيها أساليب جبر الخواطر، ففيها أنس بالله عز وجل، فهو الذي يريحك من عناء الأيام بكلمات خير وعبادة متنوعة في أساليبها.

أعجبتني حلقة «لا تفشليني» للمُبدع عمر فاروق في الحلقات الرمضانية للشركة المُبدعة في إنتاجها المجتمعي STC، وإن كانت حلقة تتحدث عن واجب يراه البعض من القيم الحياتية المُتكررة وهي قيمة «البر بالوالدين» إلا أني أرى أنها قيمة يجب أن تُكرر في كل يوم من أيام الحياة لجيل بدأ يبتعد شيئاً فشيئاً عن الأحضان الدافئة التي نشأن فيها وترعرع في كنفها. فعندما نتحدث عن أمهات وآباء كافحوا من أجل أن ينعم فلذات أكبادهم بالراحة والعيش الرغيد ولكي يتميزوا في حياتهم، فإنما نتحدث عن عطاء حياة لا يتكرر في أي مكان. وللأمهات في هذا الحكاية صورة خاصة، فقد تعبن لكي يخرج هذا المولود للحياة ويبدأ تجربته الجديدة مع أنفاسها، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كافحن من أجل لقمة العيش، فهن سند الزوج في الحياة، وسند الأبناء لكي يواصلوا محطات إعمار الأرض بالخير والصلاح والهداية.

هناك من خلفاء الله سبحانه وتعالى في الأرض، من اصطفاهم المولى الكريم ليكونوا أياد في الخير ساعية، يساهمون في السعي في حاجات الآخرين وبخاصة المحرومين ممن ضاقت بهم سبل العيش. أولئك الذين يسعون في ترك أجمل الأثر، ويشاركون فريقهم بمشاعر الفرح والابتهاج. طوبى لهذا الصنف الذي سخّر نفسه لعمل الخير، ولبذل المزيد من مُبادرات الأثر الإنسانية من أجل إسعاد الآخرين وتفريج همهم وتنفيس كربهم. هم الذين يحظون بدعوات مُباركات من أولئك الذين فرحوا بمساعدة يسيرة تقضي لهم الحاجات. دعوات خير وبركة في الحياة، فهنيئاً لهم ذلك، وهنيئاً لهم عملهم في الخير.

ومضة أمل:

اللهم اجعل نفوسنا راضية مرضية في عمل الخير.