الحرب في الإسلام شرعت لحفظ الأرواح وحماية الأوطان والدفاع عن الأرض والعرض والمال، شرعت لتكون ردعاً وليست عدواناً، وذلك لأن النفس البشرية أقدس المقدسات على وجه الأرض والحرب انتهاك لقداستها، وحينما نقلب صفحات القرآن الكريم، قل أن نجد صفحة تخلو من التصريح أو التلميح، لقداسة النفس البشرية وحرمة التعدي على بنيانها أو المساس بحقها في الحياة، وتكريم الإنسان بغض النظر عن معتقده أو لونه أو عرقه أو جنسه مبدأ أساسي في الحفاظ على وجوده وحياته، قال تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً". لذلك الحرب في الإسلام استندت قبل بدئها على هذا المبدأ الذي يجسد القيمة الحقيقية للإنسان الذي استحق التكريم لأن الله تعالى خلقه وسواه بيديه سبحانه، قال تعالى للملائكة عند خلق آدم: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين".

وقال سبحانه "يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي".

إن هذا المخلوق الشريف المكرم أبى الله إلا أن يخلقه بيديه، أسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، وحرم أن تمس روحه أو يعتدى على نفسه أو تنتقص كرامته فكيف لا تحترم الحرب في الإسلام هذا التكريم الإلهي للإنسان الذي جعل الله حياة نفس واحدة من أفراده بحياة الناس جميعاً، قال سبحانه "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".

وإذا كانت شريعة الإسلام برمتها جاءت بحفظ ضرورات خمس كبرى أربع منها للحفاظ على النفس البشرية في الدنيا وواحدة للدين والدنيا معاً، وحفظ النفس البشرية يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد ضرورة حفظ الدين الذي هو أعز ما تملكه النفس البشرية، ومن تلك الأسس المرتكزة على قداسة النفس البشرية وحرمة التعدي على بنيانها الذي بناه الخالق جل وعلا تنطلق الحرب في الإسلام غايتها تكريم الإنسان بالحفاظ على روحه وحقن دمه وحماية عقله ونسله وماله.

أردت أن أقول:

إنه لا يوجد على وجه الأرض دستور ولا تشريع وصل في تشريعاته وأحكامه الداعية إلى المحافظة على حياة الإنسان مثل ما وصلت إليه شريعة الإسلام، لهذا أؤكد أن مفهوم المسلمين للحرب يختلف تماماً عن مفهوم غيرهم، وغايات الحرب في الإسلام أرقى وأسمى من غايات وأهداف كل التشريعات والدساتير على وجه الأرض، وبما أن أصحاب الشبهات في كل زمان ومكان قد روجوا شبهات حول مفهوم وغايات الحرب في الإسلام، وصوروا الإسلام بأنه دين دموي وألصقوا بالمسلمين تهمة الإرهاب والهمجية فقد وجب البيان ورد الشبهات من نصوص شريعة الإسلام ومن واقع الحال في صفحات التاريخ ومن بين سطور أحداثه ليعلم كل منصف ذي عقل وفكر من هو الإرهابي؟ ومن هم الدمويون؟

ومن هم أعداء الإنسانية الذين لا يقيمون للروح وزناً ولا للنفس مكاناً ولا للإنسان حقوقاً ولا كرامة؟

إنهم أولئك الذين لطخوا صفحات تاريخهم بالدماء وزينوها بأشلاء العزل من السلاح، وأجروا الأنهار بدماء الأبرياء، فتكوا بملايين البشر دون هوادة، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تدمير كل ما فيه نفع للإنسان وغير الإنسان وأحرقوا كل أخضر ويابس، لذا اخترعوا ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل لتكون عنواناً لدمويتهم ودليلاً على فكرهم الإرهابي ومنطقهم اللاإنساني وحربهم اللاأخلاقية، وكل منصف من بني الإنسان يدرك خبث منهجهم القائم على الرغبة في الإبادة، والتاريخ خير شاهد على مجازرهم الشنيعة بكل أنواع وأصناف الأسلحة التي صنعتها أيديهم الملوثة بدماء النفوس الآمنة البريئة. ثم بعد كل هذا يصمون الإسلام بتهمة الإرهاب، وليس هذا بغريب على من سحروا أعين الناس واسترهبوهم بإعلام مضلل يقلب الحقائق ويصور الحق باطلاً والباطل حقاً، ولكن الغرابة كل الغرابة في كل من يصدق ادعاءاتهم وافتراءاتهم على الإسلام والمسلمين، ويا للأسف يوم أن يردد روايتهم المضللة مسلمون يعيشون بين أظهرنا ويتحدثون بلغتنا، مسلمون يروجون بكل حماس لرواية كاذبة خاطئة تستهدف بالأساس أمة بأسرها، في عقيدتها، وشريعتها، وقيمها، ومبادئها، مسلمون للأسف بأسماء المسلمين ولسانهم وأقلامهم يشوهون صورة دينهم وأمتهم ويساهمون في تحقيق غايات أعداء الإنسانية ودعاة الإرهاب والدموية.

أين وعي هولاء؟ وأين ما يدعونه من معرفة وثقافة؟ وأين غيرتهم على دينهم ومجتمعاتهم وأوطانهم؟