حديثي اليوم لجيل السبعينات، أو كما يسمينا البعض «جيل الطيبين» كما يروق لهم، نعم نحن جيل تعلمنا أن نجلس أما التلفاز، ننتظر ما تقدمه لنا القنوات والمحطات بكل شوق، ننتظر بشوق أن تبدأ القناة برامجها، ليبدأ المذيع بأول إطلالة له عند بدء القناة لبث برامجها بأن يقرأ البرنامج الذي ستقدمه القناة في هذا اليوم، ننتظر بشوق الرسوم المتحركة، وبرنامج افتح يا سمسم، أما المسلسل اليومي الذي يقدم في الساعة السابعة مساء، فلم يكن محل اشتياقنا فقط بل كان محل حوارنا وحديثنا طول اليوم في مجالسنا مع الأهل والأصدقاء، وهذا الحوار بين تعليق على ما شاهدناه في حلقة البارحة، وبين توقعاتنا لأحداث حلقة الليلة، فيعلو صوتنا بالنقاش والحديث حماساً منا وتفاعلاً مع هذه الحلقة، وعلى الرغم من أنني لم أكن من الذين ينتظرون برنامج المساء والسهر بشوق فأنا من الذين يبدؤون في مشاهدة الأفلام مبكراً، فسهرتي المسائية تنتهي قبل الساعة التاسعة، إلا أنني كنت ممن يحضرون النقاش والتعليقات على المسرحيات والأفلام العربية أو الأجنبية التي تعرض ليلة الجمعة، فأستمع لصديقاتي وهن يتحدثن عن أحداث تلك المسرحيات أو الأفلام وكأنهن هم جزء من أحداث هذا الفيلم، حتى أن بعضهن تنهال دموعهن تأثراً بأحداث الفيلم.

نعم نحن جيل الطيبين الذين كنا نتأثر بالإعلام، نحن جيل الطيبين الذين كنا نرى كل من يظهر على شاشة التلفاز وكأنه نجم عالٍ متألق في السماء، كل من يظهر على شاشة التلفاز هو محل مفخرة لأهله، ولأصدقائه ولجيرانه، لازلت أذكر أسئلة صديقاتي التي تنهال علي بين الحين والآخر حول المطرب البحريني الناشئ «حين ذاك» هل ترين أحمد الجميري على الطبيعة؟ هل تكلم معك قط؟ هل تلعبين مع أخواته في بيتهن؟ أسئلة تجعلني أشعر بأنني نلت مغنمة لم تنله صديقاتي!!

أما اليوم فنحن جيل الطيبين نعيش مفارقة لعلها من عجائب هذا الزمان، فقد تراجعت أهمية شاشة التلفاز في بيتنا لصالح شاشة الهاتف النقال، وبتنا نختار برنامجنا الإعلامي اليومي الذي نشاهده بدلاً من أن ننتظر ما تقدمه لنا القناة من برامج، وبات الناس جميعاً يظهرون على شاشة الهاتف النقال، سواء من خلال الانستغرام، أو اليوتيوب، فهذا يغني، وهذا ينصح، وهذا يقدم برنامج طبخ، وهذا يرقص، وهذا يقدم تمارين رياضية، حتى بتنا نشعر أن غالبية الناس باتوا يشاركون في الإعلام، فكاد أن ينطفئ بريق النجوم الذين يظهرون على شاشة الهواتف النقالة لكثرتهم، نعم كان غالبية الناس هم يتأثرون ببرامج التلفزيون فينعكس هذا التأثير على اختيارهم لملابسهم، حركاتهم، لغتهم وبالطبع أفكارهم، أما اليوم فلا يزال الناس يتأثرون بما يشاهدون على شاشة الهاتف النقال، ولكنهم في الوقت نفسه هم مؤثرون أيضاً بما يقدمونه من فقرات إن صح التعبير على شاشة الهاتف النقال، أو بتفاعلهم وتعليقاتهم على ما يقدمه الآخرون.

نعم يا جيل الطيبين أنتم أكثر الناس إدراكاً لما يحدث في هذا العالم من تغيير، أنتم الأكثر إدراكاً لأهمية التأثير الإعلامي على الشباب والأطفال وحتى الكبار، فكونوا أنتم المؤثرين، كونوا إيجابيين متفاعلين مع ما يعرض على شاشات الهواتف النقالة لتنقلوا ثقافتنا الجميلة لأبناء هذا الجيل، ولتحافظوا على ثوابتنا في المجتمع البحريني الدافئ، فنفخر بلغتنا العربية، وبلهجتنا البحرينية المحبوبة، نفخر بالسنع البحريني الموروث من أجدادنا، ونفخر بتاريخنا العريق، لنعزز مفهوم «بحريني وافتخر» بكل معانيه لدى أطفالنا وشبابنا، تلك رسالة سامية أنتم أهل لحملها، ففيكم خير الرجاء..

ودمتم سالمين.