التنمر غير المحسوس هو واحد من أكثر أشكال التنمر خطورة؛ لأنه يحدث في كثير من الأحيان دون أن يدرك الجاني حجم الأذى الذي يسببه، يحدث هذا النوع من التنمر بشكل خاص بين الأطفال، حيث يرى الطفل المتنمر سلوكه على أنه مزاح أو وسيلة لإثبات الذات أمام زملائه. قد يبدو له أنه مجرد «شخص ظريف» أو محبب بين الآخرين، لكنه في الواقع يمارس سلوكيات تترك أثراً نفسياً سلبياً على الآخرين. الطفل الذي يتعرض للتنمر غير المحسوس يعاني في صمت، وغالباً لا يجرؤ على البوح بمشاعره أو التحدث عن المضايقات التي يتعرض لها. السبب يعود جزئياً إلى أن قضايا التنمر لا تحظى بالاهتمام الكافي من بعض الجهات الإشرافية في المدارس، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التربية والتعليم لتهيئة بيئة تعليمية نموذجية، ونتيجة لذلك، يفضل العديد من الطلاب الصمت خوفاً من أن الإبلاغ عن هذه المشكلات لن يتم التعامل معه بالشكل المطلوب.

المرحلة الابتدائية هي من أهم الفترات في حياة الطفل، فهي ليست مجرد مرحلة تعليمية، بل مرحلة يتم فيها تشكيل الشخصية والقيم الأساسية. الطفل يبدأ في تكوين تصوره عن العلاقات الاجتماعية والسلوكيات الصحيحة، وهنا تأتي أهمية التركيز على بناء شخصية الطفل النفسية والاجتماعية بجانب تعليمه الأكاديمي. تلقين السلوكيات الإيجابية وزرع القيم السلمية، مثل الاحترام والتسامح، أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة، لأن هذه القيم سترافق الطفل طوال حياته، وستكون الأساس الذي يعتمد عليه في بناء علاقاته مع الآخرين.

لكن التحدي الأكبر يأتي عندما يخرج الطفل من أسوار المدرسة، حيث ينتهي إشراف المعلمين والإدارة، ويصبح الطفل تحت رحمة المتنمرين خارج نطاق المدرسة. هذا الواقع يزيد من خوف الأطفال الذين يتعرضون للتنمر، ويجعل المتنمرين أكثر جرأة في تصرفاتهم. المتنمرون يدركون أن الأذى الذي يمارسونه خارج المدرسة قد لا يُرصد أو يُعاقب عليه، مما يجعلهم أكثر استعداداً للاستمرار في سلوكياتهم المسيئة. لمواجهة هذا النوع من التنمر، من الضروري أن تعمل المدارس على زيادة الوعي بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور حول مخاطر التنمر غير المحسوس، وكيفية اكتشافه والتعامل معه بفعالية. ينبغي تعزيز ثقافة الحوار المفتوح بين الطلاب والمعلمين، بحيث يشعر الطفل المتعرض للتنمر بالثقة في التحدث عن مشكلاته دون خوف من الانتقام أو عدم الاستجابة. كما يجب أن يتم تعزيز الرقابة داخل وخارج المدرسة لضمان حماية الطلاب في كل الأوقات، مما يقلل من فرص تعرضهم للتنمر.

التركيز على بناء الناحية النفسية والاجتماعية للطفل في هذه المرحلة الحيوية من حياته هو أمر لا يقل أهمية عن التعليم الأكاديمي. فالقيم التي يكتسبها الطفل في صغره هي التي ستستمر معه، وتؤثر على مسار حياته بأكمله. إذا تم توجيه الأطفال نحو السلوكيات الصحيحة وزرع القيم الإيجابية، فإنهم سيكونون قادرين على بناء مجتمع متماسك يقوم على الاحترام المتبادل والوعي الاجتماعي.