كتب حكيم إلى حكيم يقول له: «من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر إلى العواقب نجا، ومن أطاع هواه ضل، ومن لم يحلم ندم، ومن صبر غنم، ومن خاف رحم، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم». ويقول أحد الدعاة: «خلوة ساعة بينك وبين ربك قد تفتح لك من آفاق المعرفة ما لا تفتحه عبادة في أيام معدودات». وقال وهب بن منبه، وجدت حكمة داود: «ينبغي للعاقل ألا يشغل نفسه عن أربع ساعات. ساعة يناجي فيها ربه. ساعة يحاسب فيها نفسه. ساعة يخلو فيها وإخوانه والذين ينصحون له في دينه، ويصدقونه في عيوبه. وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاته فيما يحل ويحمد، فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات، وفضل بلغة واستجمام للقلوب».
تحاسب نفسك، تسترجع مواقف مضت من ذاكرة الأيام، تتأمل تلك الأوقات التي مضت، كيف مضت، وبماذا انقضت؟ عجيبة هي الأيام، في تصاريفها وانقضائها، في استغلال المرء للحظاتها وأحوالها، فلا تغب عن ناظرك ولو للحظة واحدة تلك المواقف المثرية لحياتك، الجميلة بمعانيها وصورها، ولا تختفي الآثار البائنة للمواقف المؤلمة التي مرت عليك في مسير الحياة.
نحاسب أنفسنا ونعيد النظر مرات ومرات في قرارات ومسالك حياتية، ارتأينا في لحظة ما بأنها تناسب الزمان والمكان الذي نعيشه، اعتقدنا بأنها قرارات صائبة تتناسب مع حضارة المجتمع والعادات والتقاليد، قرارات نمارس من خلالها أسلوبنا الحياتي في البوح عن مكنون النفس، وإيصال رسائل واضحة لكل البشر، بأننا معكم، هنا نكتب حروف الأمل، ونقتبس من الأثر ما يعيننا على تقدير الخير لدنيا البشر، لربما كانت مسالك واضحة لا لبس فيها ولا غموض، ولكنها في الوقت ذاته هي محل التوجس والحذر، فالبعض ينظر إليها بمقياس آخر وبمنظور يختلف عن الآخرين، من هنا كانت المحاسبة ضرورية، حتى لا تغوص في متاهات تودي بطموحاتك ونجاحاتك إلى منحدر آخر ينذر بسلسلة من الإخفاقات!! محاسبة تجعلك تقف لوحدك بعيداً عن عواصف البشر وتتبع هفواتك وتصيد زلاتك، محاسبة تدفعك لإلغاء العديد من القرارات التي كانت سارية المفعول منذ فترة وتوقيف سريانها حتى إشعار آخر، حتى تقارن بين مردودها السابق والحالي ما بعد إيقاف التنفيذ، نحتاج للمحاسبة ولتغيير الحسابات بين الفينة والأخرى، حتى لا نقع فريسة لأهواء البشر ونظراتهم القاصرة، وحتى لا نهدم كل الأحلام الجميلة التي رسمناها في مخيلة الزمان.
حاسب نفسك، وراجع ضميرك الداخلي وحجم العطاء الذي تعمل من خلاله، هل يا ترى يحقق لك حصاد الأجر الذي يضمن منزلتك في الجنة؟ عندما تحاسب نفسك تذكر قول الإمام الشافعي رحمه الله: «رضى الناس غاية لا تدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه، فإرضاء الخلق لا مقدور ولا مأمور، وإرضاء الخالق مقدور ومأمور»، وتذكر جيداً هذا القول لرامي باعطية: «المهم دائماً ليست منزلتك لدى الناس، ولكن منزلتك لدى نفسك، وتذكر أن الناس سيجدون دائما فيك شيئاً لا يعجبهم»، وهذا ما يثقل مسيرنا، بأن تضيع جل أوقاتنا في تحسس مكانتنا في نفوس الآخر، فليس هو بالأمر المعيب، ولكنه يجب ألا يأخذ الحيز الأكبر من اهتمامنا، فنفسك هي الأهم في مسير الحياة..
من هنا كان لزاماً عليك أن تمد يدك إلى مقبس التوازن، الذي يرشدك إلى النظر إلى كافة الأمور بمنظور الموازنة بين مستلزمات العيش، وبين مختلف أعمالك وأولوياتك في الحياة، أنت على استعداد تام لتغيير منظومة حياتك، وعلى تفعيل «التوازن الفاعل» لكافة أمورك الحياتية فلا يطغى شيء على آخر، ولا تلهث وراء أمور كنت تظنها بأنها توصل رسالتك السامية في الحياة، وذلك حتى لا تضيع أوقاتك سدى.
نعم تستطيع أن تحاسب نفسك وتوازن في أمورك الحياتية بما يضمن لك العيش في منظومة متزنة تحقق سلامة المقصد والتوجه، وتدفعك لتحقيق الإنجازات المتتالية والاستقرار النفسي وأولها الاهتمام بمساحات هذا الدين العظيم والمحافظة على النمو الإيماني الذي لا يقف عند حد بل يحتاج إلى إنمائه بصورة مستمرة تدفع بصاحبها بأن يكون صاحب رسالة سامية، تحتاج إلى الموازنة في جميع أمورك حتى لا يسرق أحلامك أولئك المتطفلين أو «سراق الأوقات» الذين يعيشون عيشة لا استقرار فيها ولا أهداف!!
بعد المحاسبة الدائمة بل والمتجددة في كل لحظات عمرك، مغلفة بتوازن مقنع لانشغالات العيش، حينها لابد أن تستدرك عمرك المتبقي، وتغير قناعاتك، وتلغي من حياتك كل شيء يكدر عليك العيش ويتسبب في عرقلة مسير النجاح، استدرك كل وقت متبق من عمرك، ولا تمض الأوقات دون أن تكتب «قصة نجاح متجددة» تعيش فصولها كل لحظة قادمة، بالفعل لقد أحسنت تنفيذ استراتيجية المحاسبة والموازنة.