عندما فكرت في اسم يناسب العمود الأسبوعي الذي أكتبه في هذه الزاوية الجميلة والعزيزة إلى قلبي، كتبت عدة أسماء، فكان في نهاية المطاف الاسم الأجمل الذي يناسب محتوى العمود «المسير» ليحكي فصول الأيام، وخبرات لا بد أن تكتب وفق تجارب شخصية أحببت أن يقرأها الجميع. ليس من أجل ترف الكتابة أو تكرار الحديث عن بعض شؤون وشجون الحياة، ولكن من أجل أن أشارك نفسي أولاً في التعبير عن خواطر كانت ومازالت تمثل لي الشيء الكثير في معالم الذكريات والتأمل، فهي تمثل لي في كل لحظة تغييراً مستمراً لحياتي، وتعلماً لا ينقطع، فالمرء مهما تقادمت عليه الأيام سيظل يتعلم الجديد وهو يستحضر في الوقت ذاته كل الخبرات والتجارب والمواقف التي مرت به في حياته، ثم لأشارك «أحبابي» الذين كانت لي معهم صولات وجولات، لأعطيهم حقهم من قريب أو من بعيد، ووفق خطوط مندمجة في ألوانها، لا يفهمها إلا من عاشها عن قرب وعرف معنى «الحب» وتذوق نكهة «المشاعر الفياضة» التي لا تنبع إلا من القلوب المحبة للخير، ثم مروراً بالمجتمع الذي أحبه والذي يمثل ذلك الكيان الكبير في نفسي، لا أقوى في لحظة واحدة أن أفارقه بعيداً، لأنه وطني الذي عشقته، وأحب أن أقص قصصه على كل جيل يمر بين يدي.
هنا خلال هذه الوقفة، أكتب كلمات «شكر وعرفان» لأفراد كان لهم من بعد فضل الله تعالى الفضل الكبير في أن تشيد في واحات نفسي العديد من المعاني والقيم التي مازلت أعد نفسي صغيراً في معانيها الجليلة وصورها الرائعة، مشاهد واقعية جميلة، وقدوات نتمنى أن نشاهدها في كل بقعة في حياتنا.
والدي الحبيب رحمه الله تعلمت منه «حب القيادة والنظام» من خلال ما كنت أشاهده في إدارته للمدرسة من جانب، وفي إدارته للبيت وحسن متابعته للأمور، كما حببني إلى «المسجد» وإلى «إمامته»، فقد كان إماماً للمسجد خلال فترة 30 عاماً.
والدتي الحبيبة رحمها الله علمتني معاني «السخاء والكرم والخيرية»، بأن أساعد وأحب الخير للآخرين وأفرح الطفل والجار وأهل الحي، علمتني «طيبة القلب» ومعاني الرقة والعطف والحنان، فحضنها الدافئ يغني عن كل شيء.
أستاذي الحبيب طارق رحمه الله علمني أن المحبة في الله لا تكون على ورق، ولا تكون مجرد كلمات هامشية في صفحات الحياة، بل هي سلوك وواقع يجب أن نعيشه، علمني أن أبتسم مهما كانت الظروف، ومهما كانت الآلام تعتصر داخل نفسي، علمني أن أصافح بحرارة، وأن أكون ذلك الظل الخفيف عندما أتعامل مع الآخرين، تعلمت منه أن أجيب دعوة كل صديق إن استطعت، وإن لم أستطع أبادر بالاعتذار بالاتصال، تعلمت منه أن عملي في الدنيا إنما هو لله تعالى وحده لا للبشر، فلا أحزن عندما يعاملني البشر بقسوة أو يبخسون حقي ويظلمونني، لأن عملي لله وحده، هو المتكفل برزقي وبتوفيقي، تعلمت منه أن أنعزل عن الآخرين في أوقات الطاعات، فلا يسرقون وقتي الذي خصصته لمناجاة ربي، تعلمت منه أن أنوي الخير، وأتوكل على الله، فهو من سييسر الأمور إن أخلصنا نياتنا معه.
أستاذي الحبيب عبدالحميد -وفقه الله- تعلمت منه «القيم الإدارية الحديثة» وكانت لي معه جولة حياتية جميلة، تعلمت منه «سعة الصدر» والحكمة واللين، والثقة في عطاء الآخرين، وفي تحمل وخزات الألم ما دمنا «قادة في الميادين»، فالقائد لابد له أن يتحمل السهام الموجعة من أجل أن يربي الآخرين ويعلمهم، تعلمت منه معاني الإبداع والتجديد في الحياة، والاستثمار الأمثل لأحداث الحياة من أجل توظيفها في الأهداف والشعارات للمشروعات.
أستاذي العزيز سامي، تعلمت منه معاني الأخوة والمحبة في الله تعالى ودورها الكبير في تجميع القلوب على الخير وفي نجاح العمل، بتلك الابتسامة اللطيفة والروح المرحة..
أخي العزيز سامي حببني إلى كتاب الله وأخذ بيدي إلى معالم الخير، وحببني إلى معاني الأناشيد العذبة، وعلمني أن القرب من الله وإيمان المرء هو الموصل لطريق النجاح.
تعلمت من عموم أهلي أن اليد المعطاءة في الخير هي اليد التي سيبقى أثرها بعد الممات، تعلمت أن المرء عليه أن يكبح جماح نفسه ولا ينتصر لها ولا يغتر بعمله، وأن يكون طيب القلب سمحاً هيناً ليناً يحذر من أن يفقد أعصابه أحياناً حتى لا يخسر كل من حوله، تعلمت أن «التسامح» لا يقدر عليه إلا من عرف طريقه إلى الله واستطاع أن يدرك أنه فائز إن هو تسامح وتغاضى وتنازل.
الحياة مسرح كبير تعلمنا منها الكثير في كل مساحة من مساحاتها الشاسعة، وفي كل موطن ومع كل فرد تعلمنا الجديد، أو أن تذكرنا بمواطن التقصير ومعالجة الخطأ، ستبقى الحياة موطن التغيير والتجديد والتعليم المستمر إن أحسنا نظرات التعقل والتبصر وعزمنا على تصحيح المسار للوصول إلى الغاية المنشودة، شكراً لكل من علمني بلا استثناء.
* ومضة: شكراً لصحيفة «الوطن» وللأستاذ وليد صبري، فقد أتاحا لي فرصة إبراز «معالم المسير».