عقد فريق العمل اجتماعه الطارئ ليناقش استراتيجيته الجديدة للعام الجديد، ويبحث عن كثب رؤيته وأهدافه وأساليب عمله، ويتحاور في قيم العمل ودوافع التغيير والحاجة إلى إيجاد ثقافة متجددة لأطر العمل تدفع كل فرد ليكون العنصر الفاعل في البناء والتغيير. تساءل الأعضاء في مستهل الاجتماع لماذا نحن بالتحديد وليس غيرنا، مع أننا مجموعة من كيان كبير يعمل في إطار عمل مؤسسي له ثقله في الساحة..؟؟ ولماذا هذا الوقت وليس من قبل أو فيما بعد؟ هل هناك حاجة ماسة تدفعنا للتغيير والتجديد؟ هل وصلنا إلى نقطة «ثبات» في العملية الإدارية دفعتنا لتغيير منظومة العمل؟ تساؤلات عديدة كانت تدور في أذهان أعضاء الفريق الذين كان همهم في المقام الأول أن يكونوا على وعي بالدوافع التي دعت القائد ليجمعهم حتى يرسموا مكانة فريقهم الرائع على خارطة العمل خلال العام الجديد.
وبعد نقاش، اتفق الجميع على أن هناك حاجة فعلية للتغيير، ولتغيير القناعات، واستبدال «أسلوب الهدم وإثارة المشكلات» بأسلوب جديد يرتقي بالعقول ويتلاءم مع حجم ميراث الخبرات المتراكم عند الأعضاء، اتفقوا على نشر ثقافة «الإيجابية» التي تدفع الجميع للمساهمة في بناء الصرح الشامخ للعمل دون أن يلتفتوا إلى مكامن الروتين القاتل أو «التسيب» التافه الذي يعمد إليه البعض في جوانب العمل المختلفة، اتفقوا على أن تكون الاستراتيجية العامة مبنية على أطر واضحة تنظم العمل في قواعد أخلاقية تساعد الموظف على استثمار وقته في الإنتاج والعطاء والتفاعل مع الأدوات المتاحة أمامه واستثمارها الاستثمار الأمثل، استراتيجية قائمة على كون الموظف إيجابياً في تعاطيه مع مختلف ظروف العمل وإن كانت في بعض الأحيان لا تتماشى مع رؤيته وتختلف مع وجهات نظره، استراتيجية لا تلقي باللائمة على الظروف وعلى الآخرين أو تنشغل بالقيل والقال، بل تركز على النظرات الثاقبة لمكامن الذات ورفع مكانة النفس بمتميزها وعطائها وإتقانها وتفانيها في عملها، لأنها تعد ذلك من ثوابت النجاح والتميز والرضا النفسي، والأهم من ذلك كله القبول عند الله سبحانه وتعالى الذي أعطانا الفرصة الأكبر لكي نعمل وننتج ثم نحصد الثمار، هناك في الآخرة بإذن الله تعالى.
وقف الجميع بكل إجلال واحترام يستذكر تلك «النملة الإيجابية» التي وقفت أمام جيش سيدنا سليمان عليه السلام، قال تعالى: «حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنود وهم لا يشعرون». نملة وقفت بكل شجاعة وجرأة وإيجابية لم تخف على نفسها بل صنعت موقفاً بارعاً يستذكر في كل حين لتدافع لوحدها عن أمة، لقد أيقنت النملة أنها إن لم تفعل هذه الحركة فسوف تكون العواقب وخيمة في المساحات المحيطة للعمل المتواصل لجماعات النمل، فبادرت بإيجابيتها لتوجه الجميع لدخول المساكن دون أن تكترث بأي شأن آخر، أو تقول: لا شأن لي بذلك هناك غيري متقاعس وغير مبال!! هنيئاً للنملة إيجابيتها.
ثم رصد الفريق وهو يرسم استراتيجيته لينطلق للتغيير والإبداع إيجابية «هدهد سليمان».. قال تعالى: «وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين، فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين»، إنه «الهدهد الإيجابي» الذي لم يقف مكتوف اليدين، بل طار إلى مكان بعيد هناك في اليمن ليبحث عن أمر غريب سمع عنه، فبادر بإيجابيته للبحث عن هذه المشكلة وإيجاد الحل المناسب لها، فجاء بالخبر اليقين لسيدنا سليمان، الذي تفاجأ بغيابه عن جيشه، وهنا يكمن أيضاً عنصر الإيجابية في شخصية القائد عندما يتفقد أعضاء الفريق باحثاً عن الشخصية الإيجابية التي اعتاد أن تكون عنصر مفاجأة وإثارة وإبداع في محيط عمله، الهدهد ليس كبقية الطيور الذين تفقدهم سيدنا سليمان، فهو لم يقبل أن تكون ذاته كشخصية ثانوية أو عادية لا يلتفت لها، بل طار ليحلق في سماء الإيجابية ويقدم رسالة جميلة للجميع، بأن كل شخص بإمكانه أن يصنع الفرصة بإيجابيته ويحولها إلى مشروع رائع يستثمر فيه كل أوجه الخير والعطاء في دنيا البشر، هذا ما صنعه الهدهد، لم يقبل أبداً أن يلبس ثوب «الطائر الكسول» الذي يحضر كل يوم بروتين ممل، ثم يلقي باللوم على غيره..!!
هنا اكتملت ملامح الصورة «الإيجابية» عند أعضاء الفريق، وتعاهدوا بأن يكون كل واحد منهم عنصر البناء الإيجابي، وعنصر القوة في كل موقع يتحركون فيه، فهم إن ساندوا المحتاج، أو رسموا البسمة على شفاه الفقراء، لم ينتظروا أوامر غيرهم، بل لأنهم على شغف كبير لإطلاق كوامن النجاح في النفس، وحصد أجر الآخرة، اللهم اجعلنا من غراس الخير شوقاً لجنة غالية.