* يقول الشيخ عائض القرني: «ومن سعادة العبد قدرته على كسب الناس، واستجلاب محبتهم وعطفهم، قال إبراهيم عليه السلام: «واجعل لي لسان صدق في الآخرين»، قال المفسرون: الثناء الحسن. وقال سبحانه وتعالى: عن موسى: «وألقيت عليك محبة مني». قال بعضهم: ما رآك احد إلا أحبك. وفي الحديث الصحيح: «أنتم شهداء الله في الأرض». وألسنة الخلق أقلام الحق. وصح: «أن جبريل ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض». ومن أسباب الود: بسطة الوجه ولين الكلام وسعة الخلق. إن من العوامل القوية في جلب أرواح الناس إليك: الرفق. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شان».
* في إطار معاملاتك اليومية، وتعدد مسؤولياتك، وتنوع من تخالطهم، يبدو لك ومنذ الوهلة الأولى تلك «الوجوه المصطنعة» التي تنفخ نشاطها الزائف في بالونة كبيرة، وهي في واقع الأمر مجرد مساحة صغيرة لا تمثل شيئاً في حيز الحياة، تستغرب من تلك النفوس المريضة التي تعد نفسها مسيطرة على مساحات الآخرين، إنها نفوس لابد أن تخرج عن محيط حياتنا، بأن نجعلها مجرد مساحة هامشية لا غير.
* مشوار السعادة يرتسم محياها على وجدان النفوس الهادئة، والقلوب النقية المتلهفة إلى من يعيدها إلى واحة الحياة بمائها وغذائها وهوائها النقي، إنه المشوار الجميل الذي يطبع على نفوسنا علامات الرضا والطمأنينة والبعد عن السخط والتذمر مع نسيان الماضي الأليم. نعم من كانت الدنيا هي همه عاش في وبال من العيش، ومن كانت الآخرة هي همه وكتاب الله أنيسه وقرة عينه في الصلاة، جعل الله تعالى السعادة بين عينيه يتذوق حلاوتها حتى الرمق الأخير من حياته. فمن آمن بالله حق الإيمان ومن سعى للآخرة وللجنة الباقية ارتوت نفسه بماء اليقين، وتذوق طعم الرضا، وتنسم نسمات الراحة النفسية الإيمانية، أما من عاش للقمة العيش وجمع الأموال ونسي عمل الآخرة، ولم يأخذ نصيبه في ميدان عمل الخير، فذلك لعمري إنسان قد أكلت الدنيا عمره، ولم يعرف طعم السعادة الحقيقية، لأنه لم ولن يتذوق طعم الهدوء النفسي، الذي يعود مرده إلى الإيمان العميق بما يقدره الله تعالى وكتبه لعباده في الدنيا، لذا كان مفهوم «الرازق» من أسماء الله الحسنى أن تتيقن بأن الرزق بيد الله تعالى، وهو من يتكفل برزقك عاجلاً أم آجلاً، كما قال الله تعالى في محكم التنزيل: «قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير».
* ومن ينابيع السعادة التي ذكرها الدكتور حسان شمسي: سكينة النفس، والرضا، والقناعة، والورع، واجتناب المحرمات، وشكر النعم. إنها السكينة والاطمئنان النفسي التي جعلت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلى السماء في رحلة الطائف ويدعو بدعائه المؤثر، إنها السكينة التي تجعل الإنسان ينسى ماضيه ويلتفت لحاضره، ولا يتحسر على ما مضى بل يخطط لما هو آت بنفس متوثبة للخير متحفزة لنهضة الأمة، ومتفائلة برزق الله، ومتيقنة ببحبوحة العيش دون أي تضجر.
* تعودت أن ترى ذلك الوجه الإيماني المشرق كلما انتهيت من الصلاة، تعودت أن تصافحه كلما انتهى من تسبيحه ودعائه، تعودت أن تتبادل معه بعض العبارات الحياتية التي تربطك بمشاعره وأحاسيسه، ولكن في لحظة خاطفة انتهى كل شيء، حان وقت رحيله من الدنيا، وغادر سريعاً، بلا استئذان، رحمك الله يا أبا محمد وأسكنك فسيح الجنان، مكان مصلاك في المسجد في الصف الأول وراء الإمام، سيكون شاهدا لك يوم القيامة، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا بك في عليين وأن يحسن لنا خاتمتنا أجمعين.
* تتجدد أسارير وجهك، وتنتعش نفسك كلما سنحت لك الفرصة للتغيير والتجديد والسفر بعيداً عن مواجع العيش، تسافر لتجدد ذكريات الزمن الجميل، وتعيد نفسك إلى واحة الخير لتغرس القيم والمهارات في نفوس جيل يعشق التحديات في زمان غير زماننا، فرصة تعيد رسم خارطة العطاء الذي أحببت المسير فيه من قبل وما زلت، عطاء يحتضن أبناء الغد المنشود، يحتضن مشاعرهم وأحاسيسهم، ويبصم في نفوسهم ما يعينهم على تصاريف العيش.
* البعض يعتقد أنك إن بادرت وقدمت الخير، فإنما تقدمه لنفسك، ولتسيطر على الوضع، ولعمري إنه لتوجه مذموم، لأنهم لم يعرفوك بعد، ولم يعاشروا إنجازاتك، ولم يطلعوا على قلبك الطيب، المحب للخير، الذي يبتغي كل شيء في الحياة، من أجل الله تعالى وحده، اللهم تقبل منا ووفقنا.