يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «إني أعيش في العدم، أعيش في الماضي بالذكرى، وفي المستقبل بالأمل، مع أن الحاضر وحده هو الموجود، لقد مضى الأمس إلى حيث لا رجعة ولن يأتي المستقبل أبداً. أين هو المستقبل؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يصل إليه؟ لقد جلست في مثل هذه الليلة من العام الذي يموت الآن، في شرفة منزلي بالأعظمية «بغداد» أحلم بالمستقبل، بهذه السنة التي كانت مستقبلي، أسعى إليها وأؤمل أن أدركها، فلما أدركتها صارت «حاضراً» وطفقت أعدو إلى مستقبل آخر، إنني كالثور يسعى ليدرك حزمة الحشيش التي يراها على شبر واحد منه فيهلكه السعي، ولا ينالها أبداً، لأنها معلقة بقرنيه تسعى أمامه».
مستقبل نلهث من أجل أن ندركه في دنيانا.. نكتب الأهداف تلو الأهداف.. نأمل في تحقيق الطموحات.. نفكر في الأسرة والأبناء وبناء المنزل والحصول على السكن المناسب.. نفكر في «استراتيجية» فذة تخرجنا من أطر الضيق الحياتي إلى سمو الحياة.. ندفع أحياناً الثمن الباهظ من أجل أن نحقق المكاسب.. لمستقبل ننشده.. لغد نرسم أحلامه.. من أجل أن نكون أو تصل «أموالنا» إلى مراتب ثروات الأغنياء.. حتى نتباهى حينها أمام البشر..
هيهات هيهات.. الأيام سريعة الانقضاء.. في كل لحظة مستقبل يتجدد.. لا تجلس كثيراً تكتب بلا عمل.. استثمر لحظاتك حتى تنجز ويكون لك أكبر الأثر في حياة البشر.. المستقبل يموت في لحظة.. لحظة أنت لم تعرفها بعد.. لأنك ستكون حينها تحت أطباق الثرى.. حياتنا كلها ذكريات في مستقبل مضى ومستقبل قادم.. ويوم يمر علينا كبرق خاطف..
اكتبوا أحلامكم الآن.. اكتبوها ثم حركوا ألسنتكم وأفئدتكم لتنثروا ورودها في كل البشرية في نفس اللحظة التي تكتبون.. إنما الفوز الحقيقي لكم بانتصاركم على الكسل النفسي، والارتقاء بالعطاء الحقيقي في كل لحظة.. العمل ثم العمل في كل لحظة.. لا يكفي أن تكتب الكلمات على ورق تضعها على الأرفف.. ثم تنسى «استراتيجية حياتك».. فنحن قوم عمليون.. نتطلع إلى العطاء الحقيقي.. قبل أن يسدل الستار على حياتنا.