أثناء المسير تعتري حياتك العديد من التقلبات والموجات النفسية، والمزاج غير المستقر، وينتابك فيها أحياناً شعور بعدم الرضا الداخلي عن حجم العطاء الذي قدمته ومازلت.. عندما تعود بك الذاكرة إلى الوراء تستذكر مواقف العطاء الكثيرة التي بذلتها في حياتك، منذ أن كنت صغيراً.. وعندما تحن إلى تلك الصور الجميلة التي توثق خطواتك في العطاء.. فإنها تزيدك قوة من بعد قوة في مسيرك الحياتي، وتزيد من عزمك للمواصلة النشطة على الرغم من حجم المسؤوليات المنوطة بك في مرحلة عمرية معينة..
يساورني الحنين إلى أيام جميلة مضت.. إلى أيام المرحلة الابتدائية التي بدأت من خلالها أتعلم الخطوات الأولى للعطاء.. شاركت في احتفالات إنشادية.. وفي فرقة المدرسة الموسيقية.. وفي طابور الصباح حرصت على أن أتلذذ بإنشاد الأشعار.. في المرحلة الإعدادية احتواني معلمي الشيخ جاسم ربيعة فأعطاني فرصة المشاركة في قراءة القرآن.. كنت أحرص على الحضور باكراً أفتتح الإذاعة المدرسية قبل أن يبدأ طابور الصباح.. تعلمنا حينها إصدار النشرات والمجلات التعليمية.. وحينها تلذذت بمهارة تعلم (الآلة الكاتبة) على يد الأستاذ إبراهيم صقر.. أما المرحلة الثانوية فكانت المرحلة الخصبة للعطاء الحياتي والمدرسي.. أمسكت حينها بالميكروفون وأدرت الإذاعة الصباحية.. ومن الصعوبة حينها أن تتحدث أمام تلك الجموع الطلابية.. كلمات.. إنشاد.. توجيه.. ثم إصدار متقن لمجلات تربوية.. كنا نصدرها آنذاك بجهودنا الفردية وإمكانياتنا البسيطة من خلال مشاركتنا في الجمعيات المدرسية النشطة.. فكلماتها كانت تكتب على (الآلة الكاتبة) القديمة.. ونقص الأوراق ونلصقها ثم نرسلها للمطبعة.. بالفعل كانت أياماً جميلة مليئة بالعطاء والهمة، وكانت تجمعنا لقاءات ولا أحلى مع أروع الأصحاب..
أما العطاء الجامعي فهو مرحلة ذهبية أخرى كتبت في حياتنا بماء من ذهب.. فكانت (جوالة الجامعة) منطلق التميز في العطاء، أشرفنا من خلالها على معسكر جوالة مجلس التعاون الخليجي في البحرين وبذلنا الجهد الجهيد في سكرتارية المعسكر للتنظيم والإعداد والإشراف على المطبوعات الإعلامية.. وما أجمل المشاركة في معسكر مجلس التعاون في مكة مثلنا خلالها البحرين وجامعة البحرين..
أما العطاء الوظيفي فهو ميزة لها نكهتها في مسيرتك، بدأتها بسلك التدريس المحبب إلى قلبي، ومع (زهور) مازالت رائحتها العبقة أستنشقها من بعيد.. فتلك الزهور أضحت حدائق جميلة تسر الناظرين.. العطاء الوظيفي هو الآخر عطاء تعلمت منه الكثير، وزادني خبرة في الحياة من خلال التعامل مع أصناف عدة من المدراء والمدرسين وأولياء الأمور..
معذرة.. فليست الكلمات مجرد سرد لمساحات شخصية.. بقدر ما هي أطر نكتبها للعطاء.. نريد أن نرسمها في حياتنا وحياة فلذات أكبادنا.. بدلاً من أن يعشوا في عالمهم المغلق.. العطاء لا يرتبط بمرحلة عمرية.. العطاء.. رحلة جميلة.. حتى آخر لحظة من العمر.. اللهم بارك في أعمارنا ووفقنا لعمل الخير والعطاء في هذه الدنيا الفانية.