مع تغير ظروف الزمان والمكان، وتبدل الحال، وتغير التركيبة السكانية في كثير من الفرجان، بتنا نتعطش لتلك الأيام الخوالي يوم أن كنا صغاراً.. في عهدنا وفي عهد من سبقنا من الآباء والأجداد رحمهم الله الذين حكوا لنا تاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم وأصالتهم البحرينية البسيطة الجميلة.. ومازال من تبقى منهم على قيد الحياة -أمد الله في أعمارهم- يتذكرون بخلجات قلوبهم وأحاديث أرواحهم السمحة تلك (اللمات العائلية) وذلك التقارب الروحي الذي جمع أهل البحرين داخل عوائلهم وفرجانهم ومجتمعهم الكبير.
لمحاتها أتذكرها.. أحلم بها.. لعلها لاتزال موجودة بين ظهرانينا.
لمة البيت العود الأسبوعية.. من المستحيل أن نتغيب عنها، يشتاق كل فرد أن يلتقي بأهله ويتجاذب معه أطراف الحديث.. لمة بعيدة عن التجاذبات العصرية وعن (التكنولوجيا المغلقة) التي أضحت تؤثر على تجمعاتنا الجميلة.
وكرم المواطن البحريني تعدى الحدود.. فما إن تزوره إلا ويمسك بيدك ويقدم لك القهوة والحلوى.. ثم تتفاجأ بعشاء فاخر لم يكن في الحسبان.. على الرغم من أنك طرقت بابه بلا استئذان.
وتواصل البحريني غير في زمن جميل.. الفرجان تنتعش بألعاب الصبيان.. الآباء يتجمعون في ساحة الفريج يرتشفون كوب الشاي.. بابتسامة البحريني المعتادة..
وتواضع البحريني ولا أروع منه.. يحييك تحية (لول) وينثر في نفسك أجمل أزهار الأحاسيس.. «صبحك الله بالخير يبه».. (ولهنه عليك يا الحبيب) ويضمك إلى صدره.. ويا جمالها من ضمة.. يتعنى ليصلي في مسجد الفريج الآخر حتى يسأل عن صاحبه الغائب عنه منذ زمن.. ويقطع الأميال حتى يقرع باب صاحبه يسأل عنه.. وينك يا خوي من زمان ما شفناك؟
والمسجد مأوى البحريني الأصيل.. فيه يخلو بنفسه مع الله عز وجل.. وفيه يلتقي بأحبابه.. ويسأل عن جيرانه.. ومنه يتلقى الأخبار.. وتتأصل معاني المحبة في الله.. فما إن تنتهي من الصلاة إلا والقلوب تتصافح.. لتزيل عن نسيجها أدران الحياة..
أما الشاطئ القريب من الفريج.. نجتمع فوق رماله مع سكون البحر الجميل.. لنجدد معاني المحبة مع من نحب.. ونغير روتين الحياة الممل.. نرتشف الشاي.. مع صحن (الحب الشمسي).. في لوحة جمالية هادئة تريح النفس.
في البيت يتعطش الأبناء للقاء الآباء والأمهات.. يعدون العدة لاستقبالهم.. فما إن يدخل (تاج الرأس وعزوة البيت) إلا ونهض الجميع احتراماً وإجلالاً له.. يقبلون جبهته وقدمه ويضمونه.. هلا حبيبي الوالد.. نورت البيت.. أما الوالدة فهي الأخرى.. تتجمل.. لتستقبل زوجها.. وتلم الأبناء في أحضانها.. وهم يستنشقون عبير أمومتها الحانية.. حبيبتنا الوالدة ما نستغني عن أحضانك.. «يمه.. يبه.. يا أغلى ما في الدنيا».. يا شمعة الدار المضيئة.
يا جمالك يا بحرين.. ويا جمال أصالتك وتراثك وعاداتك وتقاليدك.. نشتاق لتلك الأصالة.. ومع تغير كل شيء.. ستبقى الأصالة البحرينية.. مضرب الأمثال عند بقية الدول.