يقول الشيخ عائض القرني: «صناعة الحياة هي أن يكون لك موقع في هذا العالم، فتكون رقماً له قيمة لا صفراً على شمال العدد، ومعنى ذلك أن تساهم في البناء والعطاء بما تستطيع، لا أن تكون حملاً ثقيلاً على الأمة، إن النحلة الميتة ترمى خارج الخلية؛ لأنه لا قيمة لها، وإن الشجرة اليابسة تزال من الحديقة؛ لأنه لا نفع من ورائها. فما هو جزاء إنسان سميع بصير لا يعطي ولا ينتج ولا يعمل! إن أرخص موجود هو ذاك الإنسان الآكل الشارب النائم الذي جفت منابع نفعه ونضبت أودية خيره وحق له أن يسقط من عيون النبلاء؛ لأنه محا اسمه من دفتر الحياة، وشطب على رقمه من لوحة العطاء والتضحية، فهو في عالم الأموات ولكنه يأكل ويشرب في دنيا المقابر! إن قافلة الحياة لا تنتظر الخاملين، فهي معدة لركوب صناع الحياة والمقاعد محجوزة والوقت لا ينتظر أحداً وليس في حافلة النجاح مقعد واحد للتافهين».
إن المعنى الحقيقي للحياة أن تكون على استعداد دائم لصناعة مكانتك البارزة في قافلة العمر، فلا تطيق أبداً أن تجلس فيها مكتوف اليدين، أو أن تظل متسمراً لا تعرف المقصود من خطواتك، فلا تدرك فيها مفاهيم العيش، ولا تلتف للأمل الذي يعطيك دفعات النجاح لتحقيق الغايات النبيلة.. اليوم الذي تعيشه لم يعد كمثل الأمس الذي مضى بلا رجعة، وأصبح ذكرى مطموسة من ذكريات الحياة.. لأنها لم ترسم في ذاكرتك سوى المواقف العابرة العادية.. عمل وأكل وشرب ونوم.. اليوم أصبح «حياة جديدة لك» وأنفاساً معدودة.. منحك المولى تعالى لتزيده حمداً وشكراً، ولتقبل على «عطاء الأثر» الذي يمنحك الأريحية التامة لنفسك، ويرسم سعادة دائمة على محياك وعلى الآخرين..
عطاء الأثر.. الذي تقدمه في كل لحظة تعيشها.. لا تلتفت معها لأي إغراءات حياتية، ولا لأي وساوس شيطانية، ولا يغرنك فيها حجم التحديات التي تواجهك.. ولا أي مسوغ يؤخر اللحاق بركب الحياة المنتجة.. كن صاحب أثر تعطي ولا تنتظر الشكر من أحد.. تعطي لأنك تريد الأثر في حياتك والبركة في عمرك وصحتك ورزقك ومعاشك.. تعطي لأنك لا تريد أن تكتب في قائمة «الخاملين» أو المتقاعسين عن حياة الجد.. الوقت يمضي.. فلا تضيعه في توافه الأمور.. ولا تسرف في طلب المحامد.. والبس لباس «الثقة واليقين» بأن المولى الحكيم بيده تصاريف حياتك ورزقك ما دمت معه في كل شؤون حياتك.. لا وقت لديك تضيعه في صغائر الأمور وسفاسفها.. بل اطلب كبائر الأمور ومعاليها.. إن أنجزت وأعطيت وقدمت وصنعت الفرحة في نفوس من حولك.. فهو الأثر الحقيقي.. فافرح وصفق لنفسك كثيراً.. لأن الأجور الكثيرة قد كتبت لك.. وحجزت مقعد الأثر في حياة البشر..
هنا فقط.. تكون قد صنعت حياتك جيداً..