شاهدتها والأسى يعتريها وكأن عارضاً غير سار حدث لها مؤخراً! سألتها عن سبب حزنها وضيقها فردت بصوت يغلب عليه الحزن والأسى: «لقد تقاعدت مؤخراً وأشعر بفراغ قاتل! لا أعرف ما يجب أن أقوم به لسد الفجوة التي خلفها تركي للعمل، لقد كنت مولعة بعملي وأحبه جداً، لدرجة أني أشعر أنني تركت جزءاً من قلبي في مكان العمل»!!
على صعيد مختلف أسمع عدداً من زميلاتي يتمنين ويحلمن بالحصول على التقاعد، والتفرغ لتربية أبنائهن، وحصولهن على الحرية، واصفات عملهن «بالسجن الذي يقيدهن»!!
وأسمع من أخريات من العاطلين والعاطلات اللاتي يحلمن أن يحصلن على أية وظيفة تتناسب مع طموحاتهن ومؤهلاتهن! وينحصر جل أحلامهن كلها في الحصول على «عمل»!
كما أنني أعرف «نفراً» قليلاً من الأشخاص الذين يعيشون حياة «لا بأس بها» بعد التقاعد، واستطاعوا أن ينجحوا في التأقلم بنجاح مع حياة «ما بعد التقاعد».
وأعرف كذلك أشخاصاً اختاروا ترك العمل وآثروا العمل الخاص أو عدم العمل على الإطلاق، بعض هؤلاء ندم على خياره والبعض مقتنع تماماً بما قام به.
لا نستطيع أن ننكر أن «العمل» شيء أساسي من أجل العديد من الأمور وتختلف آراء الناس حول أسباب خروجهم للعمل، فبعضهم يعمل من أجل تحقيق ذاته، وأكثرهم يعمل من أجل توفير ضمانة اقتصادية له وأهله.
وفي سؤال أرسلته لعدد من الأشخاص مفاده «هل تواصل العمل لو حصلت على فرصة للحصول على راتبك الشهري دون عمل؟».
الإجابة كانت متوقعة، معظمهم بل جميعهم أجاب بـ«لا، لا أواصل العمل»!!
تبعت هذا السؤال بسؤال آخر هو «ماذا ستفعل بعد تركك للعمل؟ 89% أكدوا أنهم سيعملون في مكان آخر أو سيبدؤون مشروعاتهم الخاصة!!
والمحصلة كانت أن جميع من سألتهم كانوا يودون ترك وظائفهم، كما هو واضح من ردهم ولكن التحليل المنطقي هو أنهم يودون «تغيير» وظائفهم لا ترك العمل مطلقاً.
أعتقد أن العمل جزء رئيس من الحياة وهو ليس وسيلة فقط للحصول على الدخل، وإلا لما عمل معظم الأغنياء، واكتفوا بما لديهم من المال. ولهذا فيجب أن نفكر جلياً فيما نعمل به وهل «نحب» أعمالنا التي نمارسها أم لا؟ هل ما نمارسه من عمل حالياً يتناسب مع تطلعاتنا؟! أم هو نقطة عبور لعمل آخر نتطلع إليه! هناك حكمة تقول «أحب ما تعمل حتى تعمل ما تحب»، ولكن هذه الحكمة معطلة عند العديد من العمال، فنجد بعضهم يبغض عمله لدرجة أنه يشوه سمعة المكان الذي يعمل به أو يعبث بأصوله وممتلكاته وإذا سألت أحدهم لماذا تخرب؟! يجيب «إنه ليس ملكي هو ملك الشركة.. فليتعطل ويخترب»!!
إن أمام أي عامل يعمل في أي مجال خيارين لا ثالث لهما، وهو إما أن يحب عمله فيذهب إلى عمله كل يوم وهو سعيد ويقضي 8 ساعات من السعادة، أو إما يبغض عمله ويذهب إلى مقر عمله وهو يحمل البغض إلى عمله ويعيش 8 ساعات من الكره والألم والحسرة، في الحالة الأولى سيكون الموظف حتى وإن تصنع السعادة أقرب إلى الرضا ويعيش حياة طبيعية، أما الآخر فإنه سيعاني نفسياً وصحياً.
قد يقول البعض ليس في مكان عملي شيء يدعو إلى السعادة، فكيف أتكيف مع هذا الوضع؟! الإجابة سهلة، ألا يوجد لديك زميل عزيز؟ ألا تحب مكتبك؟ المنظر الذي يطل عليه؟ ألا يوجد سبب يجعلك تحب العمل حتى وإن كان هذا السبب صغيراً! وإذا كانت إجابتك لا، فأنت مخير بين حلين أيضاً، إما أن تصنع لك شيئاً تحبه يجعلك قادراً على الذهاب يومياً للعمل، أو أن تبحث لك عن مكان آخر تستطيع أن تشعر بالسعادة فيه. من المعلوم أن العمل جزء من الحياة وليس الحياة كلها، هو جزء ولكنه جزء مهم فمعظم يومنا وحياتنا نقضيها في عملنا، فهل نعيش حياتنا في تعاسة أم نحاول خلق الرضا والسعادة؟!
الموضوع بيدك أنت! وكل عام وعمال البحرين وسائر الدول بخير وسعادة ومكتسبات أكثر، وتطوير للقوانين الإدارية التي أصبحت لا تتناسب مع واقعنا، كل عام ونحن نتأمل الأفضل للعمال الذين يبنون الوطن.