للحد من ظاهرة الفساد الإداري في القطاع العام والخاص، فقد قامت بعض الدول النامية والمتقدمة على حد سواء بمحاربة الفساد ومن بينها مملكة البحرين التي تعتبر من الدول الرائدة في محاربة الفساد الإداري والمالي والاقتصادي، حيث أصدرت مملكة البحرين العديد من التشريعات والقوانين بالإضافة إلى إنشاء العديد من الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد، ومن أهم الإجراءات القانونية لمحاربة الفساد الإداري نص الدستور البحريني في المادة «9» الفقرة «ب» على أن للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب وطني، والفقرة «د» من نفس المادة التي تنص على أن المصادرة للأموال العامة محظورة ولا تكون عقوبة المصادرة إلا بحكم قضائي، وجاء في الفقرة «أ» المادة «16» من الدستور البحريني الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة.

وتطبيقاً لمبادئ المساواة في تولية الوظائف العامة فإن الدستور البحريني أكد على ذلك في الفقرة «ب» من نفس المادة «16» أن المواطنين سواء في تولية الوظائف العامة وفقاً للشروط التي يقررها القانون.

وتكريساً أيضاً لمبادئ المسؤولية الملقاة على عاتق الوزراء فإن الدستور البحريني بنص المادة «66» الفقرة «أ» جعل كل وزير مسؤول لدى مجلس النواب عن وزارته.

كما عمل المشرع البحريني على إصدار العديد من القوانين والتشريعات التي تحارب الفساد الإداري والتي جاءت تجسيداً وترجمة للنص الدستوري ومن أهمها:

قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم «15» لسنة 1976 وتعديلاته، وقانون ديوان الرقابة المالية والإدارية الصادر بالمرسوم بقانون رقم «16» لسنة 2002 وتعديلاته، وقانون الكشف عن الذمة المالية رقم «32» لسنة 2010، وقانون الخدمة المدنية الصادر بمرسوم بقانون رقم «48» لسنة 2010.

كذلك عمل النظام القانوني في مملكة البحرين على إنشاء العديد من الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد الإداري ومن أهمها الإدارة العامة لمكافحة الفساد الإداري والأمن الاقتصادي والإلكتروني، ففي ظل المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، تم رفع المستوى التنظيمي لإدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية إلى مستوى إدارة عامة، بموجب المرسوم الملكي رقم «109» لسنة 2011 وذلك من خلال تعديل مرسوم رقم «69» لسنة 2004، والقاضي بإعادة تنظيم وزارة الداخلية حيث جاء فيه «إنشاء الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني» لتشمل إلى جانب اختصاصاتها مسؤولية القضاء على أوجه الفساد، وتطوير الحكم الوقائي واتخاذ التدابير اللازمة للكشف عن جرائم الفساد والحد منها، وبالتالي أصبحت شعبة مكافحة جرائم الفساد التي أنشئت بقرار وزاري رقم «40» لسنة 2009، إدارة تعنى بمكافحة جرائم الفساد بموجب هذا المرسوم، إلى جانب الإدارات الأخرى التابعة للإدارة العامة.

إن رسالة هذه الإدارة هي الحد من ممارسات الفساد لصون المال العام من أيدي المفسدين وخلق بيئة آمنة تدفع عجلة التنمية، وأهم أهدافها الحد من الفساد المالي والإداري من خلال تطوير الإجراءات الوقائية وتدابير الكشف وإجراء الدراسات والبحوث النوعية المتعلقة بتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في المجتمع البحريني، ومن أهم الجهات الرقابية في مملكة البحرين بجانب الإدارة العامة لمحاربة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني، ديوان الخدمة المدنية، وديوان الرقابة المالية والإدارية ومجلس المناقصات. أما على المستوى الدولي فإن أهم الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد هي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد «UNCAC» حيز التنفيذ في ديسمبر 2005 وتعد هذه الاتفاقية من الاتفاقات الأكثر شمولاً وقوة في مكافحة الفساد على المستوى الدولي، ووقعت مملكة البحرين على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 27 فبراير 2005، وصدقت عليها في 5 أكتوبر 2010 بموجب القانون رقم «7» لسنة 2010، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد حيث أعد في نطاق مجلس وزراء الداخلية العرب مشروع اتفاقية عربية لمكافحة الفساد، تم تعميمه على وزارات العدل العربية، وشكلت لجنة مشتركة من مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب لمراجعة صياغته، وقد أنهت اللجنة مهمتها في 11 ديسمبر 2003، باعتماد مشروع اتفاقية عربية لمكافحة الفساد، وقد وقعت مملكة البحرين على الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد خلال الاجتماع المشترك لمجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب والذي عقد بتاريخ 21 ديسمبر 2010، بمقر جامعة الدول العربية في جمهورية مصر العربية.

إن التوجه السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، في ظل المشروع الإصلاحي الجديد يهدف إلى تدبير استراتيجي للإدارة قائم على مبدأ المساواة والمساءلة والشفافية وتخليق المرفق العام، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب، وإلزام الإدارة بتعليل قراراتها وتفعيل قانون الذمة المالية وتكثيف الجهود الخاصة بالتوعية الإدارية، وحث الجهات العملية ومراكز البحوث ومعاهد الاستشارات المتخصصة في إجراء مزيد من الدراسات والأبحاث في مجال حماية النزاهة الوظيفية، وتطبيق مبدأ الجدارة في تولي الوظائف العامة، والاستفادة من خبرات الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الحكومية وغير الحكومية في مجال مكافحة الفساد والجرائم المتصلة به، وتفعيل آليات المحاسبة والشفافية والمساءلة في تدبير الشؤون العامة.

* رئيس قسم العلوم الإدارية - الجامعة الخليجية