لا يخفى على أحد أن ما تموج به منطقتنا من أحداث سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية ترك تأثيرات بالغة الخطورة علينا أفراداً ومجتمعات، يقول ابن خلدون: «الناس في السكينة سواء، فإن جاءت المحن تباينوا».

ولعل أحد أسباب الاختلاف بيننا -ونحن أبناء جلدة واحدة- هو ما نواجهه من تحديات في دولنا ومجتمعاتنا، ولابد أن يقدّر كلٌ منا المحن التي يواجهها الآخرون، قبل إطلاق الأحكام، وهي خطوة أولى لفهم سلوكنا ورفضنا وعصبياتنا ونزعاتنا الإنسانية وغير الإنسانية.

وآخر مراحل الفهم إدراك موجبات الحل، وطرح الأفكار التي يمكن من خلالها النفاد إلى تصفية مخزوننا التاريخي من الأسى، فبعض محن العالم العربي يعود في بدايته عشرات السنين إلى الوراء.

بمفهوم الفلسفة الاجتماعية البسيط هذا وضعت قمة البحرين إطاراً إنسانياً لبعض مخرجاتها، ولا غرابة في هذا، فهي الدولة العربية التي تعود جذور حضارتها الإنسانية لأربعة آلاف عام، وهي التي تقدم نفسها للعالم كنموذج حي على إنسانية التعايش، والتسامح الإنساني.

أول شواهد إنسانية القمة ما جاء في صدر كلمة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، أيده الله، حيث قدم الحاجة لبلورة موقف عربي ودولي يضمن وقف نزيف الحروب وإحلال السلام العادل، وفي تقديم هذه الحاجة ثمرة تنتهي بانتصار إرادتنا الإنسانية في معركة السلام، كما قال جلالته.

لتأتي بعدها مبادرات جلالته حفظه الله ورعاه بتوفير الخدمات التعليمية والصحية للمتأثرين من الصراعات والنزاعات في المنطقة.

لم تأتِ المبادرة الملكية على تحديد جنس أو عقيدة أو عرق المستفيدين منها، فهي إنسانية لكافة المكلومين في المنطقة، وهي تعالج أقسى ويلات الحروب والصراعات: الهجرة واللجوء، مع ما يرافقهما من حرمان لأبسط الحقوق: التعليم والرعاية الصحية.

كما انطوت كلمة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم رعاه الله على رؤية جديدة لعمل سياسي عربي قائم على «التناصح» وفي هذه الكلمة ما يوحي بالاقتراب الإنساني الذي يحافظ على خصوصية الأوطان، ويحرص على حل المشكلات التي تواجهها بنوايا أخوية، لا يمكن أن تقترب من دائرة التشكيك بالنوايا، فهو «تناصح» لا نصيحة، وهو بلا إملاءات أو ضغوطات ولا يمكن اعتباره تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول.

وكما أن الرخاء والازدهار والأمن يساهم في الحدّ من العصبية، فإن الحروب والخوف من المستقبل والفقر والبطالة تعزّز من العصبية، وهنا يأتي شاهد آخر على أنسنة القمة، وهو المبادرة التي أطلقها جلالة الملك المعظم والتي تهتم بتطوير التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي، فهذا التعاون العربي إن حدث فهو بوابة لملايين الشباب العربي نحو أحد أهم علوم المستقبل التي بدأت تتشكل ملامحها العقد المنصرم.