ما سبب غضب الرأي العام وعدم «تفهمه» لهذه القرارات الاقتصادية الصعبة؟ لماذا لا يتفهم ويفهم الرأي العام ويتعاون مع الدولة في تحمل المسؤولية في ظروف كهذه رغم أن الدولة قدمت له الكثير في أوقات الرخاء؟ ولماذا ولماذا... إلخ من الأسئلة التي قد تدور في أذهان صانع القرار الذي يبدو وكأنه أخذ على حين غرة بردة الفعل على إعلان رفع سعر البترول، فتحرك -بعد الإعلان- وبناء على توجيه من جلالة الملك للتعامل مع الرأي العام ولم يتحرك من تلقاء نفسه قبل الإعلان كما كان مفروضاً وواجباً.

الأسباب كثيرة ومعظمها أسباب مشروعة لردة الفعل، وللإجابة على سؤال لماذا الغضب أولها أن دخل البحريني لم يتغير منذ أكثر من أربعين عاماً رغم التضخم في الأسعار، خريج الجامعة حامل البكالوريوس في الثمانينات راتبه كان 400 دينار في البنوك على سبيل المثال واليوم 2018 ومازال القطاع الحكومي والخاص يدفع نفس الراتب لخريج الجامعة بما فيهم الأطباء.

قبل أربعين عاماً كانت الأربعمائة دينار تتيح لصاحبها فوراً التقدم لقرض لشراء منزل وسيارة، ما كنا نشتريه بعشرة دنانير نشتريه الآن بمائة دينار.

وقبل الرد على أن نصيب الفرد من الدخل لا يحتسب براتبه فقط، بل يحتسب بنصيبه من الخدمات التي قدمتها الدولة له على التعليم، العلاج، والضمانات الاجتماعية، والطاقة والماء المدعومين، والخدمات البلدية والإعانات الاجتماعية إلى آخره، فإن هذا المنطق لن يجد له آذاناً صاغية في هذه الأوقات بالذات رغم صحة وسلامة هذا المنطق، فمخاطبة الرأي العام بالمنطق مسألة تتجاهلها السلطة في أوقات الرخاء، وتريد أن تستعين بها وقت الغضب والاحتقان حيث لا يجدي الحديث بالمنطق نفعاً، وهذا يقودنا لثاني أسباب الغضب وردة الفعل على قرار رفع سعر البترول، لأن الالتفات لمخاطبة الرأي العام دائماً ما يأتي في التوقيت الخطأ وبالأسلوب الخاطئ، ناهيك عمن يكلف به مخاطبة الناس وناهيك عن أساليب إسكاتهم وإخماد غضبهم المفضوحة والمكشوفة والتي لم نعهدها أبداً أبداً من حكومة البحرين طوال حياتنا، وهي واحدة من أسباب اتساع الفجوة بين صانع القرار وبين الرأي العام، لأنه يستعين بأساليب لا تليق لا بتاريخ الحكومة البحرينية ولا بشعب البحرين، فإن لم تكن الحكومة استعانت بهم فإن التغاضي عنهم عمداً يسيء لها، ثم تسألون لماذا الناس تغضب ولا تتفهم؟

ثالث الإجابات على سؤال لماذا عدم التفهم لأنه لا يرى أي صورة من صور المشاركة بالتقشف بينه وبين السلطة، فاستمرار العديد من الأنشطة والفعاليات تستفزه وتثير غضبه رغم أنك لو جمعتها كلها وألغيتها كلها لن تسد عجزاً أو ديناً ولن تحدث فارقاً مادياً، إلا رمزية إلغائها ستطفئ الكثير من الشرر المتطاير إلى حين!!

رابع الإجابات أنه في كل مرة تتخذ السلطة مثل هذه القرارات وتمس الدعم فإن جلالة الملك حريص على أن يوجه أن يذهب الدعم لمستحقيه وهذا التوجيه أكد عليه من اليوم الأول، إلا أنه في كل مرة يعلن عن القرار دون أن تستعد الحكومة بقاعدة بيانات وبآلية توزيع الدعم على مستحقيه، إنما تتحرك بعد الإعلان عنه وبعد انتشار موجة الغضب، تعلن ثم تبدأ بالبحث عن هذه الشريحة وعن آلية وصول الدعم لها، فلم تكرار الخطأ أكثر من مليون مرة؟ كم سلعة تم رفع الدعم عنها أو تم فرض ضريبة عليها وجميعها يعلن قرار الرفع قبل وجود نظام إعادة الدعم لمستحقيه، وكل مرة ترتبك الأجهزة بكيفية احتساب السلعة وإعادة توزيع الدعم، ثم تسألون لماذا الناس لا تتفهم ولا تستوعب ولا تتحمل المسؤولية؟

ختاماً، يؤسفنا أننا إلى هذه اللحظة لم نجد المعالجة الجذرية لأزمة تنوع وزيادة الإيرادات، وما اتخذناه من قرارات حتى اللحظة لا يسد عجزاً ولا ديناً، نحن بحاجة للبحث عن زيادة للإيرادات من مصادر أخرى إلى جانب رفع الرسوم وفرض الضرائب، ولأن المواطن لا يرى أثراً للمصادر الأخرى فإنه يغضب، الحلول التي حصرنا تفكيرنا بها تزيد من اتساع الفجوة بين الناس والسلطة، وحتى الوعود بمشاريع ستزيد إيرادات الدولة ثم لا تنعكس تلك الإيرادات على جيبه مباشرة فإنها وعود لا تعنيه، وهذا ما أكد عليه جلالة الملك حفظه الله، أضف لها أن فرص العمل التي يخلقها السوق مجزية الدخل تذهب للأجانب لا للبحريني، فأين الأمل في المستقبل؟ المواطن مستعد للتعاون إن كان يرى نوراً في نهاية النفق.

والأخطر في التعاطي مع الناس في هذه الظروف هو أن من يحاول أن يساعدكم على تخفيف حدة الغضب يظن أن التخدير هو أفضل وسيلة فيعد الناس وعوداً تخديريه غير حقيقية، وآخرون يقدمون اقتراحات يعرفون أنها لن تنفذ مجرد دعاية شخصية لهم، وآخرون يقترحون اقتراحات لتخفيض النفقات لا تزيد في كلفتها عن «فتات» مقابل حجم الدين وحجم العجز، لكنها مقترحات لا يزيد مفعولها عن التنفيس وامتصاص الغضب، وجميعها تتعامل مع الناس على أنهم «ينقص عليهم» ثم تسألون لماذا يغضب الناس؟