خبر صغير نشرته إحدى الصحف الزميلة لنائب برلماني قال نصاً: «إن الوضع الحالي للميزانية لا يسمح بإقرار أي امتيازات جديدة للمواطنين، سواء بمضاعفة علاوة الغلاء أو إقرار علاوة جديدة».

وأشار النائب إلى أن الحفاظ على المكتسبات الحالية كافية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وأن على المواطنين «أن يحمدوا ربهم» والتوقف عن «التحلطم» في مواقع التواصل الاجتماعي، موضحاً بأن ما يحدث من صراخ وعويل في قاعة مجلس النواب مجرد «مسرحية» و«كذب رخيص» يستهدف دغدغة المشاعر.

حتى هنا التصريح يعبر عن رأي أحد النواب، كان يمكن التعاطي معه من منطلق «الرأي والرأي الآخر» ومناقشته والرد عليه، لكن حينما يبدأ الخبر بأن هذا النائب «امتنع عن ذكر اسمه»، هنا العملية تأخذ بُعداً آخر.

أولا: هذا التصريح فيه «استفزاز» صريح للشعب البحريني، ومنهم الناخبون الذين انتخبوا هذا النائب «الخائف من الإفصاح عن هويته».

ثانيا: فيه «ازدراء» لردة فعل المواطن، و«حجراً» على رأي الناس، باعتبار أن ردات فعلهم وانتقاداتهم والتعبير عن استيائهم هو من باب «التحلطم»، بينما الصحيح هو نتيجة لاستياء كبير من أداء كثير من النواب.

ثالثا: مقولة أن على الناس «أن يحمدوا ربهم»، وتصدر من نائب، هي قمة «اللامبالاة» و»الاستهتار» من شخص أوصله الناس لكرسيه ومزاياه، ثم يأتي ليمارس «المن والأذى» بحقهم، وليعاملهم بأسلوب «ماري أنطوانيت» بأن «كلوا بسكويت» وحمدوا ربكم. في حين أن المواطن البحريني «عزيز نفس» وهو «حامد لربه»، لكن حينما يرى بعض النواب يتحدثون ويعملون وكأنهم ضده، هل يريد سعادة «النائب المتخفي» أن يضحكوا في وجهه ويقولوا له «بيض الله وجهك على العمل الخطير في الدفاع عن حقوقنا»؟!

رابعا: لم يكتف هذا النائب الذي «جبن» عن ذكر اسمه بالتطاول على المواطنين والتحقير من شأنهم، بل وجه التهم لزملائه النواب، واصفاً تصريحات بعضهم، والتي قد تكون نابعة من إخلاص في العمل وقناعة تامة بدورهم، إذ لا يمكننا التعميم على جميع النواب، واتهامهم جميعاً بالتقصير، وجه هذا النائب «المتخفي» الاتهام لزملائه النواب واصفاً ما يقولونه وما يقومون به في المجلس بـ»المسرحية» و«الكذب الرخيص» بهدف «دغدغة مشاعر الناس».

هنا سأقول شيئاً يجب أن يصل لهذا النائب الذي واضح إدراكه أن تصريحه سيغضب الكثيرين، لكنه لم يمتلك جرأة الحديث بوجه مكشوف، أقول بأنك إن لم تمتلك الجرأة والشجاعة لتقول رأياً حتى لو خالفك الناس، فرجاء التزم بما ينص عليه المثل الشهير: «إن كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب»، وأيضاً «قل خيراً أو اصمت»، إذ الناس في وضع وتوقيت لا يسمح بأن يخرج عليهم أحد لـ«يهرطق» ويمارس «الفلسفة»، إن كان لديك شيء إيجابي يخدمهم ويدافع عنهم بحكم ما وعدتهم من وعود فتكلم، أما خلاف ذلك، إما تواجههم بشجاعة، أو تسكت بدل الحديث من وراء حجب وتخفي.

مثل هذه النوعية من النواب الذين يريدون لعب دور «البطولة» لكن دون «مواجهة» ليسوا سوى «أشباح» لا نفع لهم بل مضرتهم للناس كبيرة، وللعملية الديمقراطية والممارسة التشريعية أكبر. مثل هؤلاء هم من يضعفون مجلس النواب، لأنهم لا يملكون الجرأة، وحينما يتحدثون متخفين، يكشفون لك حقيقة ما يعتمل في صدورهم.

مهما كانت التبريرات التي سيسوقها مثل هذا النائب، سواء «خوف» من الناس بالانتقاد، وحتى تطاول بالكلام والتجريح وهذه الأخيرة نرفضها لأنها لا تدخل في إطار الرأي والرأي الآخر، لكن عليه أن يدرك بأنها لا تأتي من فراغ، بل هي نتاج خيبات أمل من أداء بات الناس يرونه لا ينصفهم ولا يحميهم بل يساعد على التضييق عليهم.

«إلا المواطن»، لن نقبل بأن يخرج أحد ليستهين به أو يحقره، خاصة إن كان يمارس حقه في التعبير والمطالبة بالدفاع عن حقوقه، وحمايته من فرض أمور تضع عليه أعباء زائدة، والأخطر أن يكون هذا من نواب يريدون أن «يضربوا» المواطن ويهربون «مختبئين» و«خائفين» من الحديث بوجه مكشوف.

تصرف ليس من الرجولة بشيء، وليس فيه تحمل مسؤولية تجاه من أوصله لمجلس النواب، وإن كانت من شجاعة باقية، ليخرج على الناس وليقل لهم: «نعم أن صاحب هذا الرأي، حمدوا ربكم ويكفي تحلطم، والنواب يكذبون ويمثلون مسرحيات عليكم».

ليخرج وليقل: «ها أنا ذا»!