كل أرقام تقرير «تكلفة الربيع العربي» الذي أصدره «المنتدى الاستراتيجي العربي» مستعيناً في ذلك على تقارير البنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة «أسكوا» بأنها كلها أرقام صادمة للغاية. فالخسائر التي ساقها التقرير مفزعة ومؤلمة ومحزنة.

يؤكد التقرير والذي نشرته صحيفة «الوطن» بالتفصيل قبل أيام إلى أن «التكلفة التي تكبدها العالم العربي بفعل الانتفاضات الشعبية بين عامي 2010 و2014 فقط وصلت إلى نحو 833.7 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى 1.34 مليون قتيل وجريح بسبب الحروب والعمليات الإرهابية، وبلغ حجم الضرر في البنية التحتية ما يعادل 461 مليار دولار أمريكي، فضلاً عما لحق من أضرار وتدمير للمواقع الأثرية التي لا تقدر بثمن. وبلغت الخسارة التراكمية الناجمة عن الناتج المحلي الإجمالي الذي كان بالإمكان تحقيقه 289 مليار دولار أمريكي عند احتساب تقديرات نمو الناتج الإجمالي المحلي مقارنة بسعر صرف العملات المحلية. كما بلغت خسائر أسواق الأسهم والاستثمارات أكثر من 35 مليار دولار حيث خسرت الأسواق المالية 18.3 مليار دولار أمريكي وتقلص الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 16.7 مليار دولار. ويشير التقرير إلى أن عدم استقرار المنطقة تسبب في خسائر كبيرة، حيث تسببت العمليات الإرهابية في تراجع تدفق السياح بحدود 103.4 مليون سائح عما كان متوقعاً في سنوات الاضطراب التي تلت اندلاع الاحتجاجات، والتي تسببت أيضاً في تشريد أكثر من 14 مليوناً و389 ألف لاجئ، أما تكلفة اللاجئين فبلغت 48.7 مليار دولار».

هذا هو الربيع العربي والتي تعدّ أرقامه اليوم من أكبر مصاديق وعناوين هذا الربيع الهمجي الذي آذى أوطاننا بطريقة متوحشة، فلا الأنظمة سقطت ولا الشعوب نالت مرادها، ولربما يكون المستفيد الأكبر من هذا الربيع هو الجماعات الإرهابية المسلحة بمختلف صنوفها وعناوينها ومن يدعمها من الدُّول المصنِّعة للسلاح، إضافة لقوى «المافيات» العالمية التي تقتات في الغالب على فوضى السياسة خصوصاً في المناطق النفطية والأقاليم المتوترة.

نحن كشعوب لم نربح أي شيء من هذا الربيع الدامي سوى الويلات والنكبات والضياع، وحتى نعود لوضعنا الطبيعي الذي كنَّا عليه قبل هذا الربيع «الزِّفتْ» ربما نحتاج لعقود من الزمن نحاول من خلاله أن نبني ما تهدم ونعيد القطار إلى سِكَّتِهِ الأولى إن قدرنا على ذلك أصلاً، فالأوضاع السياسية والاقتصادية والإقليمية معقَّدة للغاية، والزمن الضائع لن يعود من جديد وأرواح الأبرياء لن تُحيا من جديد أيضاً.

رهاننا العربي اليوم هو على منسوب الوعي لدى الجيل الجديد في أن يتخطى هذه المرحلة بأناقة وسلام وإصرار وعزيمة وثبات دون النظر إلى الخلف كما فعلت «اليابان» بعد انتهاء الحرب العالمية، وأن يصرخ الشاب العربي في وجه الربيع الباطش الجائر الظالم وصنَّاعه «كفى».