هي الضالة الأبدية لدى الناس حينما تراقب أداء المسؤولين، وحينما تبحث عمن يمكنه تحقيق رغباتها وتطلعاتها، البحث عن الرجل المثالي أو الكامل، وهو ما يسمى باللغة الإنجليزية Mr. Perfect.

وجود الرجل والمسؤول المثالي يعتبر «أسطورة» أو البعض يمكن وصف ذلك بـ«الخرافة»، إذ لا وجود للإنسان المتكامل الذي لا يخطئ، وهذه معادلة صحيحة، فمن منا لا يخطئ، حتى لو كان أشد الحريصين في عمله؟!

لن تجدوا مسؤولاً كاملاً، كما لن تجدوا إنساناً لا يخطئ، لكن الطموح لا يجب أن ينزل عن مستوى الشخص «المثالي»، الذي يمكن أن يكون نموذجاً إيجابياً للمسؤول وحتى الفرد العادي في المجتمع.

اليوم حينما تريد المجتمعات أن تتطور وتتقدم في مجالات التنمية العديدة، لا بد أن يكون «معيار» الأدوات «الأفراد» الذين يقوم عليهم العمل هو «المثالية» التي تصل لدرجة «الكمال» في الأداء، وهنا نتحدث عن نوعية معينة من الأفراد.

حتى نحصل على مسؤولين مثاليين أو يمكن اعتبارهم من طراز Mr. Perfect لا بد من تهيئة الأرضية المناسبة لصناعة هؤلاء، إذ هي كمثل فكرة صناعة «سوبر ستار» هنا وهناك في مواقع المسؤولية، وهو وصف أتذكر أنني سمعته ذات مرة خلال حديث مع صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان حفظه الله، في إطار دعمه وإيمانه بقدرات الكفاءات من الشباب، وكيف أن المستحيل متاح على أيديهم لو اهتممنا بهم ومنحناهم الفرصة.

لكن حتى تكون مسؤولاً مثالياً ومتكاملاً في أدائك لا بد من الإدراك أن هذه العملية لا تأتي فقط بـ«التعلم» واكتساب المهارات، بل هي في أساسها امتلاك الثوابت والمبادئ والتمسك بالقيم الأصيلة التي تزرع في الشخص منذ صغره، وتكبر معه، وتعززها وتقويها منظومات الأسرة والتربية الصحيحة، إضافة لما تلقنه إياه المؤسسة التعليمية، بلا معزل عن ثوابت وقيم الدولة والمجتمع.

ما أعنيه، أننا لو بحثنا عن أصحاب المبادئ والقيم، ومن يعكسونها بشكل واضح في التزامهم بواجباتهم الوظيفية وقبلها الوطنية، وحرصنا على تقويتهم وتعزيز التطوير العلمي والمهني لديهم، وزرع روح الانتماء المؤسسي للدولة ومنظومات العمل، حينها سنجد لنا نتاجاً طيباً من الكوادر ينمو ويكبر ويقوى في بيئات خصبة تقوم على القيم والثوابت.

حادثة الوزير البريطاني الذي تأخر على جلسة البرلمان وفاته سؤال لإحدى العضوات فقام بالاعتذار العلني وإعلان استقالته وسط صيحات رفض من الوزراء وحتى أعضاء البرلمان أنفسهم، حادثة انتشرت بشكل كبير في وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، في محاولات إسقاط على واقعنا وواقع كثير من مسؤولينا.

هذه الحادثة تكشف نوعيات من البشر المقاربين للمثالية والكمال كما هو الوزير البريطاني. رفضهم للخطأ يدفعهم لتحمل المسؤولية ومعاقبة حتى أنفسهم. والسؤال الهام هنا: إذ هل يمكن التضحية بمسؤولين على هذا القدر من السعي للكمال؟!

الفكرة بأن قوة الدول والمنظومات أساسها قوة الأفراد الذين يقودون العمل فيها، وكلما وصل هؤلاء لمستوى المثالية والكمال وتحمل المسؤولية، انعكس ذلك على الدولة وقطاعاتها في نتاج عملها.

لن تجدوا Mr. Perfect إذ الإنسان لن يكون كاملاً أبداً، وطالما يعمل فهناك أخطاء، لكن الساعي للكمال والمثالية هو الذي يحرص على الاستفادة من الأخطاء، وتحويلها لإيجابيات، ولا يسمح لها بالتكرار، بالتالي هو يسير على طريق المثالية.

كل هذه الأنماط والسلوكات الصحيحة المطلوبة في المجتمع، لا يمكن لها أن تتحقق وتتجمع في أي شخص، إلا إن كان أساسها المبادئ والقيم والثوابت والإحساس بالمسؤولية والانتماء الوطني والمؤسسي، وقبلها كلها خوف الله والحرص على فعل الصواب دائماً وتجنب الأخطاء، خاصة لو كان ضررها سيقع بحق الدولة والناس.

هؤلاء الأكفاء المثاليون هم عماد تقدم أي دولة، والبحث عنهم مسؤولية القيادات الكبرى، لأنهم قادرون على تحقيق رؤى التقدم وقيادة التطوير وتنفيذ عمليات التصحيح بكفاءة.