خلافاً للكيمياء والفيزياء اللتين لا يتحقق فيهما أي تغير يذكر مع العناصر في ظل ثبات المتغيرات، فإن العلاقات الدولية قد تشي بكثير من التحولات في ظل ثبات بعض العناصر الفاعلة، ما يجعل من الثبات في بعض الأحيان أكثر تأثيراً وحدة من التغير، ولربما الولاية الثانية لأوباما في الولايات المتحدة وولاية نجاد الثانية في إيران خير برهان. في ضوء ذلك.. ها نحن ذا أمام ولاية جديدة لبوتين في روسيا، تشي بأن ثباته سيقود إلى كثير من التحولات في السياسة الخارجية الروسية تجاه العالم والشرق الأوسط، ليس من خلال مصافحة جديدة للعالم، بل من خلال المضي قدماً في استكمال ما أسس له في ولايته الأولى، ولأن مفهوم «شراء الوقت» -الذي نعرفه في الصراعات الاجتماعية والمفاوضات الدولية يمنح الآخر مزيداً من الفرص لدوزنة أهدافه وسياساته من جديد- فإن روسيا قد منحت بوتين مزيداً من الوقت لتحقيق المصالح الروسية في العالم، بعدما نجح في فرض اسم بلاده على خارطة الدول الفاعلة وأثار الرعب في قلوب كثير من القوى الكبرى.

ماذا نتوقع من بوتين في ولايته الثانية؟ باعتقادي، ستعمل روسيا الآن على توسيع نفوذها متخذة من الشرق الأوسط مسرحاً لعملياتها ومساعيها القادمة، متمسكة بالعصا الغليظة الرابحة «الأسد» في سوريا، الذي استثمرته روسيا جيداً لتحقيق أجندتها في المنطقة بما يفضي لمزيد من التمسك الروسي به وعدم التخلي عن «الأسد»، وما يجعل من سوريا مشروعاً واعداً للروس إذا ما حان موعد إعادة إعمارها. على المستوى الإيراني، فإن ثمة مصالح مشتركة تجمع بين موسكو وطهران، فإلى جانب الشراكة الاقتصادية لا سيما في مجال النفط والصناعات الصاروخية، وتتجلى أبرزها في الحد من النفوذ الأمريكي في المنطقة، ولا شك في أن استمرار ولاية بوتين ستفضي إلى تفجير الخصومة الروسية مع الغرب من جديد، ولا أعتقد أنها ستظل حرباً باردة أو مستترة كما كانت عليه في وقت مضى من خلال دس السم في لندن والقرصنة الإلكترونية «الهاكرز» في الولايات المتحدة، إذ من المرتقب أن تتصاعد الصراعات على السطح على مرأى ومسمع من العالم.

اختلاج النبض:

ما يثير مخاوفنا أن النجاح الروسي في سوريا يغري بوتين للانطلاق نحو دول عربية أخرى. أما خليجياً، فثمة مأزق مرتقب يُوقع دول الخليج العربي ضحية المصالح الاقتصادية والتعنت الأمريكي، وسلبية الأمريكيين تجاه قضايانا قياساً بموسكو.